زانغزور وحرب الممرات: مخطط أمريكي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط ومحاصرة إيران

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
تتكشف يوماً بعد آخر عناصر مشروع أمريكي مركب يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الإقليمية بما يخدم المصالح الغربية والصهيونية، ويستهدف بشكل مباشر إيران ومحور المقاومة. يتجلى هذا المشروع في ثلاثة محاور رئيسية: ممر زانغزور في جنوب القوقاز، دور كردستان العراق كمركز لوجستي بديل، وممر داوود في الجنوب السوري، مع الدور البارز لأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا) في ربط هذه الأجزاء عبر زيارته الأخيرة إلى باكو.
1. ممر زانغزور: ضربة جيوسياسية ضد محور طهران-موسكو-بكين
الخلفية والأهداف الأمريكية: ممر زانغزور، الذي يمتد لمسافة 43 كيلومترًا عبر مقاطعة سيونيك الأرمينية، يُعدّ نقطة مركزية في المخطط الأمريكي لإعادة تشكيل مسارات الطاقة والنقل في أوراسيا. الاقتراح الأمريكي لاستئجار هذا الممر لمدة قرن من الزمن، كما أشار إليه السفير الأمريكي لدى تركيا توم باراك، ليس مجرد مشروع اقتصادي لتسهيل تدفق الغاز الأذربيجاني (12-20 مليار متر مكعب بحلول 2027) والنفط الكازاخستاني (مليون طن بحلول 2024) إلى أوروبا، بل هو محاولة لقطع الاتصال الجغرافي بين إيران وأرمينيا، وبالتالي عزل طهران عن طريقها الحيوي إلى أوروبا وآسيا الوسطى.
التأثير على إيران:
• اقتصاديًا: قد تخسر إيران 20-30% من نشاطها الترانزيتي، مع استبعاد عشرات آلاف الشاحنات التركية سنويًا من أراضيها، مما يضعف دورها كمركز لوجستي إقليمي.
• جيوسياسيًا: الممر يهدد بإغلاق حدود إيران مع أرمينيا، مما يقلص عدد جيرانها من 15 إلى 14 دولة، ويحد من نفوذها في القوقاز.
• أمنيًا: يمنح الممر تركيا وأذربيجان، بدعم من الناتو، منفذًا دائمًا إلى بحر قزوين، مما يعزز محاصرة إيران من الشمال ويقطع قنواتها مع روسيا وآسيا الوسطى.
موقف إيران: إيران ترفض هذا الممر بشكل قاطع، معتبرة أي تغيير في حدود جنوب القوقاز “خطًا أحمر”، كما أكد المرشد الأعلى علي خامنئي خلال لقائه بوتين وأردوغان في يوليو 2022. وكالة تسنيم الإيرانية، التابعة للحرس الثوري، وصفت الممر بـ”الوهمي”، مؤكدة أن معارضة إيران ستحول دون تنفيذه. استدعاء طهران للسفير الروسي في سبتمبر 2024 للاحتجاج على دعم موسكو المزعوم للممر يعكس حساسية الموضوع.
2. كردستان العراق: الورقة الأمريكية لتعويض إيران
الدور المقترح لأربيل: وفقًا لمعلومات استخباراتية، تسعى واشنطن إلى جعل كردستان العراق مركزًا لوجستيًا بديلًا لإيران في إطار مشروع زانغزور. العروض الأمريكية لأربيل تشمل دعمًا سياسيًا وعسكريًا مقابل تسهيل تدفق النفط والغاز الكردي عبر خطوط جديدة تمر عبر تركيا، وربما لاحقًا عبر الأراضي السورية باتجاه ممر داوود.
التداعيات على إيران:
• اقتصاديًا: تعزيز كردستان وارتباطه بممر زانغزور، كبديل لإيران في النقل والطاقة يهدد بتقليص حصة طهران من السوق الإقليمية.
• أمنيًا: وجود قواعد أمريكية في أربيل والحسكة يعزز التنسيق العسكري والاستخباري ضد إيران، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
• سياسيًا: تعزيز التحالف التركي-الكردي-العربي، كما أشار إليه أردوغان، يهدف إلى إضعاف دور إيران في العراق وسوريا.
موقف إيران: ترى إيران في تعزيز دور كردستان تهديدًا مباشرًا لوحدتها، والحرس الثوري يعتبر أي تقارب بين أربيل وباكو-أنقرة بمثابة تهديد للأمن القومي، مع تلميحات بإمكانية رد عسكري ضد أذربيجان.
3. ممر داوود: الامتداد الصهيوني لتطويق محور المقاومة
الخلفية والأهداف: ممر داوود، من الجولان المحتل إلى السويداء وشرق البادية السورية، يهدف إلى تفتيت التواصل بين إيران وسوريا ولبنان، وإضعاف محور المقاومة. يسعى إلى خلق مناطق نفوذ متصارعة في سوريا تمنع إعادة بناء الدولة السورية كحليف قوي.
العلاقة مع زانغزور: كلا الممرين (زانغزور وداوود)، إضافة إلى “طريق التنمية” وأنبوب نفط البصرة-العقبة، يهدفان إلى عزل إيران عن حلفائها. زانغزور يعزل إيران شمالًا، وداوود يقطع خطوطها مع دمشق وبيروت.
التأثير على إيران ومحور المقاومة:
• عسكريًا: يهدد بقطع إمدادات السلاح والدعم لحزب الله والمقاومة الفلسطينية.
• سياسيًا: يُضعف الدور الإيراني في سوريا بعد انهيار نظام الأسد في ديسمبر 2024.
• اقتصاديًا: يعيق تدفق الموارد الإيرانية إلى سوريا ولبنان.
موقف إيران: تعتبر إيران ممر داوود تهديدًا مباشرًا، وقد نفذ الحرس الثوري ضربات في يناير 2024 ردًا على تحركات إسرائيلية في كردستان وسوريا.
4. زيارة أحمد الشرع إلى باكو: نقطة التقاء المخططات
السياق: زيارة أحمد الشرع إلى باكو في يوليو 2025 ناقشت ترتيبات لوجستية تربط القوقاز بكردستان العراق والجنوب السوري، تحت إشراف القواعد الأمريكية.
الدلالات:
• تنسيق إقليمي: الزيارة تؤكد تنسيقًا بين الكيان الصهيوني، تركيا، أذربيجان، وواشنطن، مع أربيل كمركز لوجستي لربط زانغزور بممر داوود.
• دور الشرع: كقائد لمجموعة مسلحة مدعومة خارجيًا، يلعب دورًا في تأمين الممرات.
• تهديد لإيران: يستهدف تقويض النفوذ الإيراني في سوريا بإنشاء ممرات بديلة.
موقف إيران: ترى طهران في تحركات الشرع محاولة لتثبيت واقع جيوسياسي جديد، وقد ردت بضربات في 2024 ضد مواقع في سوريا وكردستان.
5. تحليل شامل: تهديد جيوسياسي مركب وموقف إيران
الأهداف الأمريكية-الصهيونية:
1. عزل إيران جغرافيًا: بقطع اتصالها بأرمينيا عبر زانغزور، وبسوريا ولبنان عبر ممر داوود.
2. تعزيز بدائل إقليمية: عبر كردستان العراق، تركيا، طريق التنمية، وأنبوب البصرة-العقبة.
3. إضعاف محور المقاومة: عبر تفتيت وحدة الساحات.
4. تأمين الكيان الصهيوني: عبر ممر داوود كدرع استراتيجي.
التحديات:
• المقاومة الإيرانية.
• رفض أرمينيا التنازل عن زانغزور.
• تعقيدات القوقاز وسوريا.
• موقف روسيا والصين.
استراتيجيات إيران للمواجهة:
1. تعزيز التحالفات مع روسيا والصين.
2. دعم أرمينيا عسكريًا واقتصاديًا.
3. تفعيل محور المقاومة.
4. ردع عسكري ضد أذربيجان أو كردستان عند الضرورة.
5. دبلوماسية نشطة ضد تركيا وأذربيجان.
6. الخلاصة: إيران تقاوم مشروعًا جيوسياسيًا خطيرًا
مشروع زانغزور، مع ممر داوود، وتحركات أحمد الشرع، يمثل خطة أمريكية-صهيونية لمحاصرة إيران. يهدف إلى تقويض دورها الإقليمي من القوقاز حتى البحر المتوسط.
لكن إيران، بدعم من حلفائها وعمقها العسكري والدبلوماسي، قادرة على التصدي لهذا المشروع. ومحور المقاومة بقيادتها يبقى الجبهة الأولى في مواجهة أي إعادة رسم للمنطقة بما يخدم الغرب والكيان الصهيوني.
توصية نهائية: يجب على إيران تكثيف تحركاتها العسكرية والدبلوماسية لمنع تنفيذ ممر زانغزور وممر داوود، مع تعزيز تحالفاتها مع روسيا والصين، ودعم أرمينيا وسوريا، ومراقبة تحركات أحمد الشرع بدقة.