الاعتراف بالدولة الفلسطينية مرحلة حاسمة في الصراع الفلسطيني :ماهي قصة الثور و الحضيرة ؟!

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
في سياق الصراع الفلسطيني الطويل والمعقد، تبرز خطوات الاعتراف الدولي بدولة فلسطين كمحطة بارزة تحمل دلالات سياسية ودبلوماسية عميقة. ترحيب العراق، الذي أعلنته وزارة خارجيته يوم الخميس 31 يوليو 2025، بإعلانات دول مثل فرنسا، كندا، مالطا، المملكة المتحدة، والبرتغال بالاعتراف بدولة فلسطين، يعكس تحولاً في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية. لكن هذا الترحيب، الذي يندرج ضمن إطار ما يُعرف بحل الدولتين، يثير تساؤلات حول دلالاته العميقة، خاصة في ضوء التأريخ السياسي للمنطقة، بدءًا من معاهدة كامب ديفيد عام 1978، مروراً بدعوة العراق في قمة بغداد عام 1978 للاعتراف الجماعي بالكيان الصهيوني على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، وصولاً إلى الواقع الحالي الذي يشهد تصعيداً في العدوان الصهيوني على غزة. في هذا السياق، يمكن قراءة هذه التطورات من خلال عدسة قصيدة الشاعر أحمد مطر، التي تصور التنازل التدريجي في قصيدته التأريخية ”الثور الذي فر، ثمتبعته الحظيرة”، لنستكشف ما إذا كان هذا الترحيب خطوة نحو العدالة أم استسلام ضمني لرواية التطبيع.
صمود غزة وفشل المخططات الصهيونية
غزة، رمز المقاومة، تقاوم ببسالة أمام آلة الحرب الصهيونية التي تسعى لكسر إرادتها. خطة “عربات جدعون” بقيادة إيال زامير فشلت في تحقيق أهداف نتنياهو المتوهمة بإبادة المقاومة، حيث اصطدمت بكمائن محكمة وقذائف الياسين 105. هذا الصمود يعكس عجز الكيان الصهيوني عن تحقيق نصر عسكري، مما يجعل الاعتراف بدولة فلسطين خطوة تبدو إيجابية لتعزيز الموقف الفلسطيني. لكن، كما يشير أحمد مطر، فإن التنازلات التدريجية قد تكون كالثور الذي فر من حظيرة البقر ، فهل يمكن أن تكون هذه الاعترافات جزءًا من “الحظيرة” التي تتبع مسار التطبيع؟ ترحيب العراق يأتي في هذا السياق كدعم للقضية، لكنه يثير تساؤلات حول مدى ارتباطه بحل الدولتين الذي يتطلب اعترافاً ضمنياً بالكيان الصهيوني، كما حدث في كامب ديفيد.
كامب ديفيد وتأريخ التطبيع
معاهدة كامب ديفيد عام 1978، التي وقّعها أنور السادات ومناحم بيغن بوساطة جيمي كارتر، شكلت نقطة تحول في الصراع العربي-الصهيوني، حيث كانت أول اتفاقية سلام منفردة بين دولة عربية (مصر) وإسرائيل. هذه المعاهدة، التي استندت إلى قراري مجلس الأمن 242 و338، ركزت على إعادة سيناء لمصر مقابل تطبيع العلاقات، لكنها تجاهلت إلى حد كبير القضية الفلسطينية، مما أثار غضب العالم العربي، بما في ذلك العراق الذي استضاف قمة بغداد 1978 لرفض المعاهدة. في تلك القمة، دعا العراق، تحت قيادة صدام حسين، إلى حل شامل يشمل الاعتراف بالكيان الصهيوني ضمن إطار حل الدولتين بالضبط كما فعل السادات لكن بصورة جماعية ، وهو موقف بدا متناقضاً مع الرفض العربي الجماعي للتطبيع. هذا التناقض يعكس ما وصفه أحمد مطر بـ”الحظيرة” التي تتبع الثور ، (وبعد عام وقعت حادثة مثيرة ..لم يرجع الثور ولكن ذهبت وراءه الحظيرة) ، حيث يمكن أن تُفسر دعوة العراق الحالية للاعتراف بدولة فلسطين كجزء من مسار مشابه، يقود إلى تطبيع ضمني شامل تحت مظلة حل الدولتين.
سياسة التجويع وتعميق الكارثة الإنسانية
سياسة الحصار والتجويع التي ينتهجها الكيان الصهيوني، بدعم أمريكي، عززت من صمود الشعب الفلسطيني رغم الكارثة الإنسانية في غزة. اعتراف ترامب بالمجاعة في غزة، رغم تأخره، يكشف عن فشل هذه السياسة في إخضاع الفلسطينيين. ترحيب العراق بالاعترافات الدولية بدولة فلسطين يأتيني ظاهره كاستجابة لهذا الصمود، لكنه يثير تساؤلات حول مدى فعالية هذه الخطوة في ظل استمرار الاحتلال. حل الدولتين، الذي يدعمه العراق اليوم، يعتمد على قراري 242 و338، اللذين يطالبان بانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي الفلسطينية المحتلة مقابل السلام، لكنهما لا يضمنان سيادة فلسطينية كاملة. هنا، يمكن قراءة موقف العراق كمحاولة لدعم القضية، لكنها قد تكون جزءًا من “الحظيرة” التي تتبع مسار التطبيع، كما حدث في كامب ديفيد، حيث أدت التنازلات إلى إضعاف الموقف العربي الجماعي.
انهيار سياسي للكيان وتحول المواقف الدولية
الكيان الصهيوني يواجه أزمة سياسية غير مسبوقة، حتى بين حلفائه الغربيين، حيث أعلنت دول مثل فرنسا، كندا، والمملكة المتحدة نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر 2025. ترحيب العراق بهذه الخطوات يعكس دعماً للمسار الدولي الهادف إلى تحقيق العدالة للفلسطينيين، لكنه يثير نقاشاً حول دلالات هذا الاعتراف في سياق حل الدولتين. هذا الحل، الذي يستند إلى قراري 242 و338، يفترض الاعتراف المتبادل بين كيان الاحتلال الصهيوني وفلسطين، مما يعني قبولاً رسمياً بالكيان الصهيوني. هنا، يمكن أن نرى صدى قصيدة أحمد مطر: فبينما يُنظر إلى الاعتراف بدولة فلسطين كخطوة إيجابية، فإنها قد تكون جزءًا من “الحظيرة” التي تتبع الثور، حيث يتم التضحية بمبدأ الرفض الشامل للكيان لصالح حل دبلوماسي قد لا يحقق العدالة الكاملة.
العدوان الصهيوني الأمريكي ودور إيران
في ذكرى استشهاد إسماعيل هنية، الذي اغتيل في طهران، يتجدد التأكيد على دور إيران كداعم رئيسي للمقاومة الفلسطينية. هذا الدعم يتناقض مع نهج التطبيع الذي بدأه السادات في كامب ديفيد، وتبناه العراق جزئياً في قمة بغداد 1978. ترحيب العراق بالاعترافات الدولية بدولة فلسطين يبدو محاولة لموازنة بين دعم القضية والانخراط في المسار الدبلوماسي الدولي. لكن، كما يشير أحمد مطر، فإن هذا المسار قد يكون جزءًا من “الحظيرة” التي تتبع الثور، حيث يؤدي القبول بحل الدولتين إلى تطبيع ضمني مع الكيان الصهيوني. إيران، على النقيض، ترفض هذا المسار، مؤكدة أن المقاومة المسلحة هي الحل الوحيد لتحرير فلسطين، مما يضع العراق في موقف دقيق بين دعم المقاومة والانخراط في الدبلوماسية الدولية.
تحركات عربية وإسلامية وموقف العراق
كلمة خليل الحية، التي عاتبت الأنظمة العربية على تقاعسها، تتردد صداها في ترحيب العراق بالاعترافات الدولية بدولة فلسطين. هذا الترحيب يعكس ضغطاً شعبياً متزايداً على الحكومات العربية لدعم القضية الفلسطينية، لكنه يثير تساؤلات حول مدى جديته في مواجهة الاحتلال. قمة بغداد 1978، التي دعا فيها العراق إلى حل الدولتين، كانت محاولة لتوحيد الموقف العربي، لكنها انتهت إلى تعزيز التطبيع الجماعي مع الكيان الصهيوني. ترحيب العراق اليوم قد يكون محاولة لتصحيح هذا المسار، لكنه يبقى ضمن إطار حل الدولتين، الذي يحمل في طياته قبولاً ضمنياً بالكيان الصهيوني. هنا، تتجلى رؤية أحمد مطر: الاعتراف بدولة فلسطين قد يكون خطوة إيجابية، لكنه قد يقود إلى “الحظيرة” التي تتبع الثور، إذا لم يترافق مع ضغط عسكري وسياسي شامل.
تصعيد اليمن ودعم محور المقاومة
اليمن، بقيادة أنصار الله، يواصل دعمه لغزة عبر استهداف السفن المتعاونة مع الكيان الصهيوني، مما يعزز صمود المقاومة. هذا الموقف يتناقض مع نهج التطبيع الذي بدأه السادات ودعمه العراق رسمياً وبخديعة كبرى بحجة الرفض لما قام به السادات في 1978. ترحيب العراق بالاعترافات الدولية يمكن أن يُنظر إليه كمحاولة لدعم القضية دبلوماسياً، لكنه يثير تساؤلات حول مدى توافقه مع موقف محور المقاومة الذي يقوده اليمن وإيران. حل الدولتين، الذي يدعمه العراق، قد يكون جزءًا من “الحظيرة” التي تتبع الثور، حيث يؤدي إلى تطبيع ضمني، بينما يصر محور المقاومة على رفض أي حل يعترف بالكيان الصهيوني.
الاعترافات الغربية: مناورة أم هزيمة؟
إعلانات دول غربية بالاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر 2025، والتي رحب بها العراق، تبدو انتصاراً دبلوماسياً للقضية الفلسطينية. لكن، في ضوء حل الدولتين، قد تكون هذه الاعترافات مناورة لتخفيف الضغط عن الكيان الصهيوني. كما يشير أحمد مطر، فإن هذه الخطوات قد تكون جزءًا من “الحظيرة” التي تتبع الثور، حيث يتم تقديم تنازلات دبلوماسية تحت ستار العدالة. ترحيب العراق يعكس رغبة في دعم القضية، لكنه يثير تساؤلات حول مدى فعالية هذا المسار في ظل استمرار الاستيطان في الضفة والتدمير في غزة. إيران، التي ترفض هذه المناورات، تؤكد أن المقاومة المسلحة هي الحل الوحيد، مما يضع العراق في موقف دقيق بين الدبلوماسية والمقاومة.
بين العدالة والتطبيع
ترحيب العراق بالاعترافات الدولية بدولة فلسطين يعكس دعماً للقضية الفلسطينية، لكنه يثير تساؤلات حول دلالاته في سياق حل الدولتين، الذي يتطلب قبولاً بالكيان الصهيوني. تأريخيا،، بدأ هذا المسار مع كامب ديفيد 1978، وتعزز في قمة بغداد التي دعا فيها العراق إلى حل شامل يشمل التطبيع. قصيدة أحمد مطر تلخص هذا المأزق: الاعتراف بدولة فلسطين قد يكون خطوة نحو العدالة، لكنه قد يتحول إلى “حظيرة” تتبع الثور إذا لم يترافق مع ضغط عسكري وسياسي شامل. إيران ومحور المقاومة يقدمان نموذجاً مغايراً يرفض التطبيع، مما يضع العراق أمام خيار صعب بين الدبلوماسية التي قد تقود إلى تنازلات، والمقاومة التي تتطلب تضحيات جسام. في النهاية، تبقى القضية الفلسطينية في صلب النضال العربي والإسلامي، ويتوقف نجاحها على مدى القدرة على تحقيق توازن بين الدبلوماسية والمقاومة دون الوقوع في فخ التطبيع.