القسم السياسي

ما وراء الشعارات الاقتصادية: الرسوم الجمركية الأمريكية، أداة استعمارية جديدة ضد العراق

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

مع مرور الأيام، تتكشف الحقيقة الحقيقية لسياسات أمريكا تجاه العراق أكثر فأكثر. أرض ما بين النهرين، التي كانت دائماً هدفاً لمؤامرات تهدف إلى كسر إرادتها، تتعرض هذه المرة لمخططات جديدة. ما يحدث اليوم هو استمرار للمشروع القديم للهيمنة، لكن بأدوات تبدو اقتصادية تحت شعارات مثل «التوازن التجاري» و«المصالح المشتركة»، في حين أن جوهرها لا يعدو كونه تصميماً لإذلال العراق اقتصادياً وسياسياً.

 

الرسوم الجمركية؛ الوجه الجديد للاحتلال الاقتصادي

في يوليو الماضي، أرسل دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، رسالة إلى الحكومة العراقية يدعي فيها أن العلاقات التجارية بين بغداد وواشنطن «غير متوازنة»، معلناً فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على صادرات العراق، وخاصة النفط – العمود الفقري لاقتصاد البلاد. هذا الإجراء ليس قراراً إدارياً بسيطاً، بل هو أوضح أشكال فرض التبعية، محاولة منهجية لتقويض استقلال بغداد في قراراتها الاقتصادية والسياسية.

منذ احتلال العراق عام 2003، أعادت أمريكا بناء هيكل الاقتصاد العراقي بما يتناسب مع مصالحها؛ من تدمير الصناعات المحلية إلى فرض عقود نفطية مجحفة تصب في مصلحة الشركات الأمريكية. الرسوم الجمركية الجديدة ما هي إلا استمرار لهذا النهج؛ أداة لتحويل العراق إلى سوق استهلاكي يستورد السلع الأمريكية بينما تُخنق صادراته بقيود مالية خانقة.

 

الهيمنة الاقتصادية؛ بديل الاحتلال العسكري

بعد أن أجبرت قوات المقاومة أمريكا على تقليص وجودها العسكري في العراق، لجأت واشنطن إلى أدوات جديدة: الاقتصاد كسلاح. من الرسوم الجمركية إلى العقوبات وشروط الاستثمار السياسي، كل ذلك في خدمة هدف واحد: إبقاء العراق في قبضة التبعية. هذه السياسات غيّرت من طبيعة الاحتلال لكنها لم تغير أهدافه: منع تأسيس اقتصاد وطني مستقل وقوي.

ادعاء أمريكا عن «العجز التجاري» ما هو إلا غطاء لواقع لا تريد الاعتراف به علناً: الولايات المتحدة هي أكبر مستفيد من موارد العراق. الشركات الأمريكية نهبت ثروات العراق النفطية منذ 2003 بعقود زائفة، وفي المقابل فرضت أسعاراً باهظة على السلع والخدمات. هذا الوضع أدى إلى استنزاف الاحتياطيات النقدية للعراق دون تحقيق أي تطور حقيقي في البنى التحتية أو الصناعة الوطنية.

 

دور محور المقاومة؛ إيران كشريك استراتيجي

في هذا السياق، ظهر محور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية كداعم حقيقي لاستقلال العراق. إيران وقفت إلى جانب الشعب العراقي في أصعب اللحظات، خصوصاً في الحرب ضد داعش. لم تفرض شروطاً قاسية، ولا تطلعت إلى موارد العراق، بل قدمت دعماً حقيقياً في مجالات الطاقة والاقتصاد والبنية التحتية.

في تناقض كامل مع أمريكا التي تشترط استثماراتها بقرارات سياسية مهينة، قدمت إيران نموذجاً مختلفاً: علاقة مبنية على الاحترام والثقة والمصالح المشتركة بين الشعبين. في حين سعت واشنطن لعزل العراق عبر العقوبات، استمرت إيران في تأمين الكهرباء والغاز للعراق. هذا الدعم لم يكن مجرد مساعدة اقتصادية، بل تجسيداً لمصير مشترك ونضال موحد ضد الهيمنة الغربية.

 

استراتيجية المقاومة الاقتصادية؛ خطوة نحو التحرر

لمواجهة هيمنة أمريكا، لا بد من وجود خطة شاملة تقوم على تعزيز الاستقلال الاقتصادي وتنويع العلاقات الدولية. من الضروري إعادة النظر في الاتفاقية المعروفة باسم «الإطار الاستراتيجي» مع الولايات المتحدة، التي لم تقدم للعراق أي مساعدة حقيقية، بل تحولت إلى أداة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. كما يجب على بغداد رفض شروط التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي والتي تُنسق مع السياسات الأمريكية بكل حزم.

تجارب دول مثل إيران وروسيا والصين – التي رغم العقوبات تمكّنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي – تشكل نموذجًا يُحتذى للعراق. توسيع العلاقات التجارية مع هذه الدول يهيئ الطريق للخروج من تبعية الدولار الأمريكي، ويخلق بيئة تساعد على بناء اقتصاد مقاوم أمام الضغوط الخارجية.

 

الطاقة؛ ساحة الصراع على السيادة

تُعدّ ميدان الطاقة من أهم الجبهات التي تسعى الولايات المتحدة من خلالها للسيطرة على مصير العراق. فمشروع «الصفقة الكبرى للطاقة» لا يعدو أن يكون غطاءً للحد من العلاقات الاقتصادية بين بغداد وحلفائها، وبالأخص إيران. الهدف الأساسي من هذه السياسة هو تقويض العلاقات الاستراتيجية بين طهران وبغداد، والتي أثبتت كفاءتها في تلبية احتياجات العراق.

الضغوط الأمريكية لوقف استيراد الغاز من إيران تحت ذريعة العقوبات هي محاولة لإبقاء العراق في حالة تبعية دائمة. هذه السياسة لا تخدم مصالح الشعب العراقي بل تضعف اقتصاد البلاد وتجبره على القبول بشروط مهينة.

 

نحو عراق حر ومستقل

الاستقلال الاقتصادي يتطلب رؤية واضحة وإرادة قوية. يمكن للعراق، بالاعتماد على محور المقاومة، أن يبني اقتصادًا قويًا ووطنيًا يقوم على مبادئ مثل:

  • التحرر من هيمنة الدولار: التخلص من الاعتماد على النظام المالي الأمريكي واستخدام عملات أخرى مثل اليورو أو اليوان في التجارة الخارجية.
  • تعزيز التعاون مع إيران: تعميق العلاقات الاقتصادية مع الجمهورية الإسلامية، خصوصًا في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة.
  • رفض الشروط السياسية: الإصرار على حق السيادة الوطنية ورفض أي شروط من أمريكا في العقود الاقتصادية.
  • إعادة بناء البنى التحتية الداخلية: الاستثمار في شبكة الطاقة الوطنية بالتعاون مع الدول الصديقة، دون الاعتماد على الشركات الغربية الاحتكارية.
  • الاستفادة من الموارد المحلية: استخدام الغازات المصاحبة للنفط وتطوير الصناعات المحلية لتقليل الواردات المكلفة.

 

المقاومة هي طريق الحرية

سياسات أمريكا – سواء من خلال الرسوم الجمركية أو الشروط الاقتصادية – ليست سوى احتلال جديد بأساليب حديثة. لكن الشعب العراقي، الذي قاوم الاحتلال العسكري ومشاريع التفتيت، قادر اليوم أيضًا على الصمود أمام الاستعمار الاقتصادي. بدعم محور المقاومة والرعاية الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، يمكن للعراق أن يحبط مخططات الهيمنة.

هذا البلد، بتاريخ حضاري وإرادة صلبة، يستحق بناء مستقبل حر ومستقل ومزدهر. مستقبل لا يمر عبر صندوق النقد الدولي أو البيت الأبيض، بل يمر عبر طريق المقاومة. والمقاومة وحدها هي السبيل الذي سيؤدي إلى عراق يليق بتضحيات شعبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى