“غزة…. ماذا بعد؟

حوراء المصري:
غزة، هذه الرقعة الجغرافية التي لطالما جعلت من الاحتلال أضحوكة عصره، فبصبرها وثباتها تمكنت من كسر الهيمنة، مبينة أن لا قوة قادرة على كسر الإرادة الشعبية.
مرَّ اليوم 700 يومٍ على مقاومة غزة الإحتلال، وذلك بعد عملية طوفان الأقصى التي بينت هشاشة الاحتلال الصهيوني. إلا أن السؤال الذي لطالما يُطرح نفسه على الساحة: هل سيبقى هذا الصمود والثبات؟ فهل يُعقل أن يأتي يومٌ تندثر فيه غزة وتصبح تحت ظل الكيان الغاشم؟
“غزة الأبية”
منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948 بمساعدة من الغربيين الذين عملوا على تدعيمه وتوفير الغطاء السياسي والعسكري، مما أتاح له بسط سلطته على أجزاء واسعة من فلسطين، إلا أن بعض المناطق المناهضة للاحتلال وقفت بكل صلابة، مواجهةً كل أنواع الضغط النفسي والعسكري والسياسي فضلاً عن الاقتصادي، كغزة مثلاً وأجزاء من الضفة الغربية.
فأظهر الغزّيون قوة وصلابة لا تضاهى، فرغم الشهداء الذين تعدوا الآلاف، ما زال الشعب الغزّي يردد آيات الصبر، سائراً على خطى الأنبياء الصابرين كالنبي محمد (ص)، الذي واجه أشد المصائب وأكثرها فتكاً، فاختبره الله بأحفاده وآل بيته الطاهرين.
مما جعل فكرة كسرهم غير قابلة للتنفيذ. فكيف لأمةٍ سارت على خطى رسولها أن تُكسر؟ إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى يبقى هذا الصمود والثبات؟
غزة لم تصبر فقط لأنها تمتلك إيماناً قوياً ويقيناً راسخاً بالله تعالى، بل كذلك يعود الفضل لما رأوه على أرض الواقع من مقاومة صلبة جعلت أرواحهم تحاط بالصبر والقوة.
“المقاومة… سكينٌ في خاصرة الكيان”
لم يكتفِ أهل غزة بالصبر في مواجهة العدوان، بل عملوا على تكوين مقاومة شرسة تقاتل الاحتلال الغاشم. فحماس جعلت الصهاينة أكثر خوفاً ورعباً من فكرة المقاومة، مما جعل مشروع تبديد المقاومة ينضج لدى الاحتلال حتى أصبح جزءاً أساسياً من خطته الاستراتيجية.
إلا أن الفضل في قيام مقاومة فلسطينية يعود إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي دعمت تشكيل محور المقاومة الذي أصبح فيما بعد التهديد الأكبر لأمن الكيان الصهيوني.
هذه القوة الرادعة، رغم فارق القوة الهائل، نجحت بكل جدارة في فرض معادلة جديدة على الساحة الفلسطينية، فأوصلت عبر هجماتها وخطاباتها أنه “لن يكون هناك عدوان بلا ثمن”، مما جعل الكيان أكثر حذراً في التعامل معها. فأي هجوم يستهدف المقاومة في فلسطين سيقابله ردٌّ متعدد الجهات كلبنان وإيران واليمن اللواتي يشكّلن حلفاً مع حماس.
ورغم دعم محور المقاومة لحماس والقضية الفلسطينية ككل، إلا أنها ما زالت تواجه الصمت المخجل، فضلاً عن محاولات يائسة من بعض الجهات التي ساعدت الكيان في محاولة تنفيذ فكرة التخلص من المقاومة. فإلى أي مدى وصلت الإنسانية؟ هل يُعقل أن المشهد في غزة لم يحرك شيئاً في نفوس العالم ولا سيما العرب المتصهينين؟
“الصمت العالمي والإقليمي”
رغم الجهود التي تقوم بها المقاومة في غزة، إلا أن هذا الجهد يفتقر للغطاء السياسي والدعم الداخلي الذي سيجعل الكيان يقف أمام قوة غير قابلة للكسر، كذلك يفتقر للدعم الإقليمي فضلاً عن الدولي. فالمجازر في القطاع يقابلها السكوت المهين.
فالغرْبيون رأوا أن دعم الكيان يتيح لهم الفرصة للسيطرة على الشرق الأوسط وتنفيذ أجنداتهم بكل سهولة وسلاسة. أما الوضع الإقليمي فهو أكثر خجلاً، فمصر والأردن فضلاً عن دول عربية في منطقة خليج فارس، فضّلوا مصالحهم على إنسانيتهم، فتراهم يقفون مكتوفي الأيدي أمام المجازر الصهيونية بحق المسلمين. والمصيبة أن هؤلاء ينسبون أنفسهم لدار الإسلام، الذي لطالما دافع عن الحق ضد الظلم والجور.
فهل يُعقل أن يخسر الإنسان إنسانيته التي زرعها الله في روحه تميزاً له عن سائر خلقه أمام مصلحة دنيوية زائلة؟
“غزة باقية ما بقي الدهر”
في نهاية المطاف، غزة، رغم التضييقات السياسية والاقتصادية، ما زالت تقف بشموخ وعزة أمام العالم الدولي والإقليمي. إلا أن السؤال يبقى موجهاً لأولئك الذين فضّلوا مصافحة العدو الصهيوني على مساعدتهم للشعب الفلسطيني: ماذا ستجنون من هذا الخضوع والخنوع؟ ماذا بعد؟ وإلى أين المرسى؟