حل الدولتين… بخسٌ للقضية الفلسطينية

حوراء المصري:
برز مقترحٌ يقضي بتقسيم فلسطين وإقامة دولة فلسطينية بجوار دولة تعود للكيان، وعُرف هذا المقترح باسم حل الدولتين، والذي لقي الكثير من الترحيب من الأمم المتحدة وبعض الدول التي رأت أن هذا هو الحل الأمثل للنزاع الصهيوني ـ الفلسطيني. في الحقيقة، بدأ الأمر بعدما أعربت بريطانيا عن نيتها في إنهاء الانتداب وتسليم الملف الفلسطيني ـ الصهيوني للأمم المتحدة، والتي عملت بدورها على إصدار قرار التقسيم رقم 181. هذا القرار شكّل بداية بزوغ ما يُعرف بحل الدولتين، إلا أنه لم يأخذ شكل الاعتراف الفعلي والرسمي إلا بعد توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993.
ورغم قرار الأمم المتحدة، إلا أنه لم يلقَ الترحيب من العرب أبداً، ولا سيما في بداية الاحتلال الذي تلقى الدعم من الغرب، حيث كان العرب رافضين لأي وجود صهيوني في المنطقة.
“بداية التهجير والقتل للشعب الفلسطيني”
إن ما قام به الكيان من تهجير وترويع للمواطنين الفلسطينيين بواسطة المسلحين اليهود، الذين عُرفوا بالهاجاناه والتي تلقت الدعم من بريطانيا والغرب، هو الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهجير ساكنيها. إلا أن الأمر لم يقف عند أعتاب الاستيلاء، بل تعدّاه ليصل إلى محاولة تنفيذ تطهير عرقي للشعب الفلسطيني للتخلص من أي صوت أو كيان يمثل القضية والشعب الفلسطيني ككل.
“حرب 67 وفقدان الأراضي الفلسطينية”
بفضل القوة والدعم اللذين تمتعت بهما دولة الكيان، تمكنت فيما بعد من فرض سيطرتها على 78% من فلسطين. إلا أن الموضوع تغيّر جذرياً بعد حرب 67 وانهزام العرب أمام الاحتلال، مما فسح المجال أمام الكيان لاحتلال باقي أجزاء فلسطين، ودفع الأمم المتحدة لإصدار قرار جديد رقم 242، والذي نصّ على عودة الأمور لما كانت عليه قبل عام 1967، أي أن فلسطين تملك 22% فقط من الأراضي.
وعلى الرغم من كل المقترحات التي قدمتها الأمم المتحدة، والتي بينت انحيازاً كبيراً للكيان الصهيوني، إلا أن الاحتلال لم يقبل بأي من هذه القرارات. نرى أن هدفه لم يكن السلام، بل فرض سيطرته على فلسطين كاملة وإنهاء ما يسمى بالشعب الفلسطيني.
الجدير بالذكر أن الموقف تغيّر، فبينما رفض الاحتلال الاعتراف بحل الدولتين، أصبح بعض العرب يعترفون بهذا القرار بحجة السلام للمنطقة. مما يُظهر تغيراً جذرياً في الموقف العربي الذي بات يتملص من القضية الفلسطينية. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ترفض دول كإيران والعراق وغيرها هذا القرار بينما يقبل به الخليج وبعض رفاقه المتصهينين؟
“إيران… أكبر الدول الرافضة لحل الدولتين”
لطالما كانت الجمهورية الإسلامية من أشد الرافضين لمبدأ حل الدولتين، باعتباره مشروعاً لا ينصف الشعب الفلسطيني. كذلك يعود هذا الرفض إلى أن طهران لا تعترف بوجود الكيان، فكيف تصادق على قرار يقضي بإنشاء دولة صهيونية في المنطقة؟
لم تكتفِ إيران برفض هذا المقترح ودعمها للقضية الفلسطينية عبر إنشاء محور المقاومة، بل قدمت أيضاً مقترحاً يقوم على الانتخاب والاستفتاء العام من قبل المسيحيين والمسلمين واليهود في فلسطين، لاختيار دولة تمثلهم جميعاً، لا جهة واحدة تفرض السيطرة دون غيرها.
وهذا يعكس أن طهران تعتبر حل الدولتين ما هو إلا بخسٌ للقضية الفلسطينية، ولا يقدم أيّاً من الحقوق المطلوبة للشعب الفلسطيني، بل ينفذ مطامع الكيان في الأراضي الفلسطينية.
وقد أشار إلى هذا الأمر الإمام السيد علي خامنئي في كتابه (الاستفتاء العام في فلسطين)، حيث بيّن آراءه حول القضية الفلسطينية، مؤكداً أن الحل الوحيد المنصف لجميع الأطراف هو انتخاب نظام سياسي يعمل على احترام جميع الأديان والأفراد داخل فلسطين.
هذا الموقف الإيراني يُظهر أن طهران تتعامل بحذر كبير مع أي قوة دولية قد تؤثر على قيمة ومسار القضية الفلسطينية، على عكس بعض الدول العربية التي لطالما تشبثت بهذا القرار تفضيلاً لمصالحها مع الاحتلال، دون إيلاء أي اهتمام للقضية والشعب الفلسطيني ككل.
“حل الدولتين… حبرٌ على ورق”
في نهاية المطاف، إن ما يُعرف بحل الدولتين ما هو إلا محاولة لجعل الوجود الصهيوني في المنطقة أمراً طبيعياً لا مفر منه. إلا أن الحقيقة الكامنة هي أن فكرة تقسيم فلسطين كانت وما زالت رهينة الورق، غير قابلة للتنفيذ، طالما أن هناك من يؤمن بالقضية الفلسطينية.