«تشابهار» وفرص الاستفادة الجيو–اقتصادية؛ نقطة استراتيجية لإيران في الفضاء الاقتصادي للمحيط الهندي

نقلاً عن الموقع الإخباري «صداى سما»؛ ميناء تشابهار على سواحل مكران، بصفته الميناء المحيطي الوحيد لإيران، يمتلك طاقة فريدة لإعادة تعريف الموقع الاقتصادي للبلاد في المحيط الهندي. فالوصول المباشر إلى المياه الحرة وموقعه الترانزيتي نحو أفغانستان وآسيا الوسطى يجعلان منه أصلاً جيو-اقتصادياً استراتيجياً.
تشابهار أكثر من مجرد ميناء؛ فهو نقطة التقاء الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية، حيث يفتح فرصاً في مجالات الترانزيت والتصدير والانضمام إلى سلاسل القيمة العالمية. هذا الموقع المميز قادر على حمل جزء مهم من الحراك الاقتصادي الوطني.
سواحل مكران تتمتع بقدرات تتجاوز النقل البحري وحده. فالسياحة التجريبية، والصناعات البتروكيميائية الثانوية، وصيد الأسماك، والصناعات التحويلية، واللوجستيات يمكن أن تشكّل محركات للتشغيل وإنتاج القيمة المضافة. غير أن تحقيق هذه الإمكانات مشروط بإنجاز الربط السككي، واستكمال سلاسل الإمداد، وصياغة سياسات ذكية.
أي تنمية بحرية من دون حماية البيئة والمجتمعات المحلية لن تكون مستدامة. فالنظم البيئية البحرية والساحلية، ومعيشة السكان المحليين، والقدرة على التكيّف مع المناخ يجب أن تكون في صميم عملية التخطيط والتنفيذ. كما أن مشاركة المجتمع المحلي والالتزام بالمعايير البيئية شرط لشرعية أي مشروع.
الميزة الرئيسة لتشابهار تكمن في الوصول المباشر إلى المياه الحرة وموقعه الترانزيتي. لكن ضعفه البنيوي يتمثل في غياب الربط السككي الكامل وضعف سلاسل الإمداد المحلية، الأمر الذي يضعه خلف منافسين مثل جوادر وجبل علي وصلالة.
لكل ميناء منافس خصائصه. فميناء جوادر يستند إلى الاستثمارات الصينية ضمن مشروع CPEC، لكنه يواجه تحديات أمنية. أما جبل علي وصلالة فهما مراكز إقليمية راسخة في مجال الترانشيبمنت. لذلك يتعيّن على تشابهار تحويل ميزته الجغرافية إلى ميزة تنافسية دائمة.
إنجاز خط تشابهار – زاهدان السككي سيكون نقطة تحوّل، إذ سيخفض كلفة الترانزيت إلى أفغانستان وآسيا الوسطى ويجعل الميناء أكثر جاذبية للتجارة الإقليمية، بل وقد يغيّر مسار تدفق السلع على المدى الطويل.
الاستثمار الأجنبي، ولا سيما الهندي، في تشابهار أصبح واقعاً عملياً. فالعقود طويلة الأمد توفر إطاراً من الاستقرار، غير أن تنويع مصادر الاستثمار ووضع شروط بيئية واجتماعية للتعاقدات أمر أساسي لضمان التنمية المستدامة.
من الناحية البيئية، يجب على تشابهار الاستفادة من تجارب موانئ مثل جبل علي، التي استثمرت في إدارة النفايات ومعالجة المياه وحماية النظم البيئية الحساسة. فتبنّي هذه المعايير منذ البداية يمنع تكاليف باهظة في المستقبل ويحافظ على السمعة الدولية.
خارطة الطريق لتنمية تشابهار تقوم على ثلاثة محاور: البنية التحتية (الربط السككي واللوجستي)، التجمعات الصناعية في المنطقة الخلفية للميناء، ورأس المال البشري المدرب. هذه العناصر مجتمعة قادرة على تحويل الميناء إلى مركز اقتصادي متعدد الأبعاد.
إن التنمية المستدامة تتحقق فقط بخلق رابط عضوي بين الميناء والبيئة والمجتمع المحلي، عبر حماية الموارد الطبيعية، وتعزيز السياحة المستدامة، وإشراك السكان في صنع القرار. هذا النهج يحمي المشروع من التوترات الاجتماعية ويضمن استمراريته.
تشابهار اليوم ليس مجرد ميناء بل استراتيجية وطنية لإيران؛ صلة وصل بين اقتصاد البلاد واقتصادات جنوب آسيا وآسيا الوسطى. وبالاعتماد على الموقع الاستراتيجي، والاستثمارات الذكية، والسياسات العلمية، يمكن أن يصبح واجهة التنمية الحديثة لإيران وجسراً إلى سلاسل القيمة العالمية.