القسم السياسي
عقد الزلزلة

مجاهد الصريمي، صنعاء:
ونحن ندخل مع ثورة الشعب المجيدة العام الأول للعقد الثاني من عمرها؛ يجب التأكيد على مجموعة من الثوابت والمسلمات التي شكل وجودها الأرضية الخصبة التي استقبلت بذور الثورة، وأمدتها بكل ما تحتاجه حتى أنبتت وأغصنت، ونمت وترعرعت، فنتج عن البذرة شجرة طيبة راسخة الجذور، وباسقة الفروع التي بلغت عنان السماء، فاستحال على أعدائها الخارجيين والداخليين القضاء عليها؛ لأنها راسخة الجذور، قوية صلبة في أصولها وفروعها، قادرة على العطاء والإثمار.
صحيح؛ قد يحصل أحياناً تأخراً في الاثمار، وقد توجد الثمرة أحياناً أخرى، ولكن يطول زمن انتظار الإيناع لتلك الثمرة، فيذهب موسم وموسمان ولربما ثلاثة وأربعة مواسم لموعد الحصاد ولا نستطيع جني شيئاً، حينها يتسلل اليأس إلى النفوس المنتظرة، ويبدأ حس التململ يظهر على الأحرار، وتكثر بعد ذلك العيون المتفجرة بالوجع والأنين والشكوى والتذمر، وتتصاعد بيانات النعي للمنشود، فيتجه الجميع لتجهيز مراسيم دفن حاضره، بعد أن أيقن أنه قد تم السطو على غده المنشود، وتآزر قتلة الأحلام والآمال على تجريده من كل ممكنات بقائه إنسان، يملك الوعي والأرادة الّذان يمكنانه من الحفاظ على فطرته كمختار مريد، يستطيع أن يصنع ماهيته التي بها يبلغ الكمال الذي يعبر عن عظمته كمستخلف في الأرض وهنا فقط تخرج إلى الصطح تلك الكائنات المحسوبة على الثورة، لتحل محل الذوات الثورية النقية الأصيلة، أو بكلمة أقرب؛ يتم إبعاد الثمرة الطيبة للثورة، والتلاعب بمقومات إيجادها لموسم إثمار، وتُقدم كل ثمرة فاسدة من ثمر الثورة على أنها هي كل ما أُنتج، وخلاصة ما أبدعته الدماء والأفكار الثورية، عند إذٍ تصبح الأرض التي تبارت في رحابها الأفكار العظيمة، ونسجت على ثراها دماء البذل والفداء قصص الحرية والسيادة والاستقلال، والعدالة والمساواة والتنمية والبناء والتغيير مجرد محضرة للبكاء والضحك المفعم بالخيبة والندامة والعجز، فيرى الأحرار أنه لا شيء أشد بغضاً لدى ثورتهم منهم، ولا مكان على أرضهم إلا وقد طردهم، وأنكرهم.
وفي المقابل تفتح الثورة ذراعيها للانتهازيين والوصوليين، وتحني ضهرها للمتسلقين، وتهش وتبش بوجه الأدعياء، وتقدم الثمرة المحسوبة على زروعها من حيث الأصل، على أنها منتهى كمالها الثوري، دون أن تعير ما طرأ عليها من فساد أدنى اهتمام، ولم تلتفت لجماهيرها وهم يصرخون فيها: خلصينا من هذه الوجوه المزرية، التي طال بقاءها في المنصب حتى فسدت وتوشك على إفساد كثير ثمارك الصالحة.
هنالك يظهر المستكبرون، ويتكاتف المبطلون، ويتواصى الفاسدون، ويتكامل الجهلة والمجرمون والطماعون واللصوص ليقفوا جميعاً بوجه الأنقياء الخلص، والأوفياء النجباء، القائلين بصدق، والعاملين بوعي، والناظرين بعلم، والناقدين بحق، والمعبرين عن انتماء وتماهي مع الثورة.
نعم؛ يصبح هنى كل شيء مغاير للأصل، وكل حق ممزوج بشيء من باطل، ولكن؛ هيهات أن يبقى، فثورة دمها مدادها، وشهداؤها أفضل بنيها، وجمهورها الأوسع وخزانها الأكبر هم الفقراء البائسون لن تضيع، ولن تصادر، ولن تستغل، ولن تموت، ولن تسرق منا.
ذاك ما نعيه، ونثق بتحققه، وسوف يتحقق، وإن طال أمد الانتظار، وإن بات أبو سفيان في جيش ما بعد الفتح، وصار ابن عوف كبير التجار بالدين والقضية.
إن عيد ثورتنا الحادي عشر، يقول بكل وضوح: إننا قادمون على عقد جديد من عمر الثورة، وهو لن يكون سوى عقد الزلزلة.