قاسم سليماني — شخصية تتجاوز الحدود

الدكتور سيد حميد رضا قريشي، رئيس التحرير:
إنّ التطرّق إلى شخصية الحاج قاسم (الشهيد الفريق قاسم سليماني) المتعددة الجوانب والفريدة من نوعها أمرٌ ضروري ومهم، ولكن بسبب استحالة دراسة وتحليل كلّ أبعادها بشكل شامل، قد يؤدّي ذلك إلى فهم ناقص لحقيقته — فقد كان، مثل مولاه الإمام علي (عليه السلام)، يجمع بين المتناقضات في شخص واحد.
نأمل، بعون العلماء والمفكرين، أن تُتخذ خطوات فعالة لرسم الصورة الحقيقية والمؤثرة لهذه الشخصية العظيمة. وفي هذه المقالة أحاول أن أقدّم بعض النقاط الموجزة حول هذا القائد الجليل.
في الساعة 01:07 من فجر يوم الجمعة 3 كانون الثاني/يناير 2020، استُشهد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي في مطار بغداد الدولي إثر هجومٍ بطائرةٍ أميركية مسيّرة بأمرٍ من الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، بعد سنوات طويلة من الجهاد والعمل الدؤوب.
ولأنّه كان برفقة الشهيد أبو مهدي المهندس، أحد القادة البارزين في الحشد الشعبي العراقي، أصبح هذا الحدث رمزاً للوحدة بين الشعبين الإيراني والعراقي. كما أن تداخل جسديهما الطاهرين بسبب نوع الانفجار ودفنهما في كرمان و«وادي السلام» في النجف، جعلا من مزارَيهما رمزاً دائماً لوحدة البلدين في مواجهة الاستكبار العالمي.
هذه هي النقطة الأولى. في لقاءٍ جمعني به في شهر رمضان عام 2011، اقترحتُ عليه تحويل استراتيجية المقاومة من الدفاع إلى الهجوم، فبيّن لي الأسباب وحدّد وقت هذا التحول في المستقبل القريب. ومن هنا، يمكن اعتبار النقطة الثانية هي تمسكه بالمبادئ وعدم تغييره للاستراتيجية بشكلٍ مفاجئ أو متكرر.
أما النقطة الثالثة، فهي حضوره الميداني الدائم في مختلف الجبهات، من شمال العراق إلى جنوب لبنان، ولا سيما في أوقات الأزمات.
النقطة الرابعة تتعلق بابتكاره لأساليب جديدة لتعزيز المواقف واستمرار الفاعلية، ومن أمثلة ذلك دعمه للنساء المعيلات في منطقتي نبل والزهراء في شمال سوريا وتوفيره آلات خياطة لهنّ بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد الحرب.
النقطة الخامسة أنّه لم يكن يعتمد على الشهادات الأكاديمية التقليدية، بل على العلم والخبرة الميدانية، مما جعله نابغةً متعطشاً للمعرفة، لا يرى في نيل الشهادات نهايةً لمسيرته العلمية.
أما النقطة السادسة، فتمثلت في دوره الدبلوماسي البارز ضمن محور المقاومة، حيث لعب دوراً أساسياً في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتعاون مع إيران في الأزمة السورية، وهو إنجاز تمّ بإدارته الحكيمة.
النقطة السابعة أنّه، رغم انشغاله بالحروب والمعارك، لم ينسَ الجوانب الإنسانية، فكان، على خطى الإمام علي (عليه السلام) وقائده الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله)، يعتني بأسر الشهداء، بل وفي شتاء عام 2018 اتصل بطهران طالباً توفير العلف للغزلان القريبة من أحد المعسكرات أثناء تساقط الثلوج، فكان حقاً «ضامن الغزال» كما كان الإمام الرضا (عليه السلام).
النقطة الثامنة، أنه لم يكن يخشى اللوم أو الانتقاد، وكان يتخذ القرارات الصائبة مهما كانت خطيرة، مثل تقديم خدمات تدريبية لإحدى الدول الصديقة، وهو ما غيّر عقيدتها الدفاعية بحسب ما أكده مسؤولوها.
النقطة التاسعة، كانت نظرته المستقبلية؛ إذ لم يكن أسير الحاضر، بل كان يستخدم تجاربه السابقة ليستعدّ للأحداث القادمة، كما فعل عندما غيّر استراتيجية المقاومة من الدفاع إلى الهجوم بعد استشهاد الشهيد حسين همداني.
أما النقطة العاشرة، فمنذ تولّيه قيادة فرقة «ثار الله» عام 1994، أولى اهتماماً كبيراً للتدريب والتعليم، فكان يعقد أسبوعياً، على مدى ثمانية أسابيع، دوراتٍ لتأهيل القادة والكوادر، إيماناً منه بأهمية العلم والتنظيم.
وفي هذا العدد الخاص، نسعى بقدر استطاعتنا إلى تسليط الضوء على أبعاد شخصية هذا الشهيد العظيم، وأتقدّم بخالص الشكر والامتنان لأخي العزيز السيد محمد علي نجاح على مساهماته القيّمة.