مقالات الرأي

الجزء الثاني: سليماني وميادين القتال – الجنرال بلا حدود

✍️ القسم السياسي:

رواية تفصيلية لدور سليماني في محور المقاومة (لبنان، سوريا، العراق، اليمن، أفغانستان، فلسطين)

في ساحة العمليات المعقدة والمتشابكة في غرب آسيا، لم يكن الحاج قاسم سليماني مجرد قائد عسكري يدير المعارك عن بعد، بل كان مهندساً ميدانياً للحرب يتحرك في أخطر وأكثر المناطق تعقيداً، ويقود العمليات بنفسه. من خلال تأسيس مدرسة في التفكير العملياتي مبنية على الإبداع الميداني، والحضور المباشر، ودمج العقلانية الاستراتيجية مع التصوف العملي، رفع محور المقاومة إلى مستوى غير مسبوق.

تحكم سليماني في خيوط التنسيق من جبال جنوب لبنان إلى صحاري الأنبار، ومن أطراف غزة إلى مرتفعات شمال سوريا، ومن أزقة كابل إلى حدود اليمن. لم يكن جنرالا خلف مكتب، ولا منظراً في قاعات القيادة؛ بل كان «رجل الأرض» الذي لا تعرفه الحدود ولا تقيده الجغرافيا. شجاعته، تواضعه، وحنكته، مع حضوره البسيط في الخطوط الأمامية، جعلته «الجنرال بلا حدود» الذي يقلب معادلات العدو بعقلية عالمية وقلب مؤمن.


من الدفاع المقدس إلى إعادة هندسة المقاومة في المنطقة

تشكلت خبرة سليماني القتالية في جبهات الدفاع المقدس (حرب العراق المفروضة على إيران 1980–1988). خلال هذه السنوات الثمانية، ترسخ في داخله فلسفة الحرب في الإسلام – الدفاع عن الحق، حماية المقدسات، ومساعدة المستضعفين. لم تكن هذه الحرب مجرد فترة تدريب، بل مدرسة شكلت بصيرته في معرفة العدو، نفسه، والأرض.

وصل إلى اعتقاد راسخ بأن الصراع مع الاستكبار العالمي هو صراع وجودي بين مشروع إلهي قائم على كرامة الإنسان ومشروع هيمني يقسم العالم إلى حكام ومحكومين. شكلت هذه الرؤية النواة الفكرية لسلوكه في العراق، سوريا، اليمن، لبنان، وأفغانستان. وقد نقل دروس الشجاعة، الصبر، والابتكار من جبهات الدفاع المقدس إلى ساحات المقاومة الإقليمية، حيث أعاد هندسة محور المقاومة بحضوره الميداني وتفكيره الإبداعي.


العراق، سوريا، واليمن: هندسة محور المقاومة في قلب الأزمات

لعب الحاج قاسم سليماني دوراً لا مثيل له في العراق، سوريا، واليمن في إعادة بناء محور المقاومة ومواجهة المشاريع الصهيونية-الأمريكية. من خلال فهم عميق للجغرافيا، والتركيبة الاجتماعية والعرقية والدينية، ودمج العقلانية الاستراتيجية مع الحضور الميداني والنفوذ الروحي، أسس شبكة مقاومة تتجاوز الحدود والطوائف. لم يكن يوجه العمليات العسكرية فحسب، بل جمع بين الجماعات المختلفة، وزرع روحاً فريدة في المقاتلين، وشكّل جبهة موحدة ضد الأعداء. كان يرتدي زيًا عسكريًا بسيطًا ويظهر في الخطوط الأمامية، يستمع للمقاتلين ويستفيد من خبراتهم، مما جعله أسطورة بين المحاربين.

العراق: من تحرير المدن إلى الوحدة الوطنية
عندما اجتاحت داعش المدن العراقية في 2014 وتراجعت القوات التقليدية، دخل سليماني الميدان بدعوة المرجعية في النجف وفتوى آية الله السيستاني. قاد عمليات تحرير سامراء، ديالى، جرف الصخر، الفلوجة، الموصل، وأمريلي. في أمريلي (2014)، البلدة التركمانية الشيعية المحاصرة في صلاح الدين على شفا المجزرة، نسق هجوماً ثلاثياً بمشاركة الحشد الشعبي المبكر وبدعم جوي إيراني وعراقي.

هذا الهجوم، الذي نفذ بالتعاون مع كتائب حزب الله وفصائل أخرى، لم يكسر الحصار فقط باستخدام تكتيك «كسر الطوق من الداخل والخارج» بل حافظ على كرامة المدنيين عبر إيصال الإمدادات الغذائية والطبية والكهرباء، وجعل أمريلي رمزاً للصمود. في الموصل (2017)، نسق مع القبائل السنية والكردية لمنع طائفية المعركة، وواجه شخصياً هجمات داعش في مناطق عالية الخطورة مثل تلعفر والبيجي. توضح الروايات أن سليماني كان يعيد النظر في الاستراتيجيات العملياتية خلال الاجتماعات الليلية باستخدام تحليل دقيق للاستخبارات ويعزز معنويات المقاتلين بحضوره الميداني.

من خلال توحيد فصائل الحشد، بما فيها حزب الله، عصائب أهل الحق، وسرايا الخراساني، أنشأ منظومة أمنية عابرة للطوائف وأعاد الثقة الشعبية بالحكومة.

سوريا: حافظ دمشق ومهندس جبهة واسعة
منذ 2012، لعب دوراً محورياً في منع سقوط الحكومة السورية، وحوّل الحرب الأهلية إلى مواجهة مع الهيمنة العالمية. أعاد تنظيم الجيش السوري، أنشأ غرفة عمليات مشتركة مع حزب الله وروسيا والمتطوعين الفاطميون والزینبیون، وقاد العمليات في حلب، تدمر، قلمون، الغوطة، دير الزور، درعا، والبُوكمال.

في القصير (2013)، استخدم مسارات زراعية وتكتيكات نفقية لمفاجأة العدو، وشارك شخصياً مع قادة حزب الله في تصميم العمليات، معززاً معنويات القوات بحضوره الميداني. النتيجة كانت إعادة التوازن للجبهة المركزية وإرسال رسالة حاسمة لداعمي الجماعات المسلحة. في حلب (2016)، أدار سلسة من العمليات شملت حصاراً طويلاً، تهريباً منظماً للعدو، وإدخال قوات الزينبیون والفاطميون، ما كسر خطوط الدفاع للجماعات المسلحة. كما سهل خروج المسلحين إلى إدلب عبر العفو والتسوية لتقليل الخسائر البشرية.

هذا الجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية الميدانية أظهره كمهندس المعركة. في البوكمال (2017)، آخر معقل كبير لداعش على الحدود السورية-العراقية، نسق عملية معقدة باستخدام «المباغتة الزمنية» وعمليات التمويه، موحداً القوات السورية وحزب الله والحشد والنجباء والفاطميون، وضرب داعش من محاور متعددة. ظهوره المفاجئ في شوارع حلب القديمة أو قرب خطوط العدو أدهش القادة المحليين. كان يرى الحرب صراعاً بين «سوريا المقاومة» و«سوريا التابعة»، وربطها بمواجهة المشروع الصهيوني-الأمريكي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى