“توني بلير في غزة؟ استعمار جديد بلباس الدبلوماسية”

حوراء المصري
يقف الطفل الغزاوي “علي المدهون” ذو الـ ٦ سنوات أمام ركام منزله القابع وسط القطاع، بينما يحمل دميته الممزقة التي رافقته منذ بداية الإبادة، فهي اليوم صديقه الوحيد الذي بقي من ذكرياته السابقة، لا عائلة لا منزل، لا شيء تبقى له سوى الآلام والأوجاع.
من يخبر هذا الطفل بأن الحرب على غزة الآن بدأت؟ من يخبره بأن مجرماً لا يعرف الرحمة سيتولى حكم منطقته؟ من يطلعه على أفعال توني بلير المخادع الذي لطالما وقف وراء الغزوات الأجنبية للشرق الأوسط، أشهرها غزو العراق عام 2003، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل سيعيد التأريخ نفسه فوق غزة؟
إن تسليم إدارة غزة لواجهة غربية ما هي إلا عملية احتلال مبطنة تعمل على حذف الإرادة وتطويع النضال، فهل يتحقق هذا المخطط؟
”بلير يعود إلى الواجهة”
توني بلير، أبرز قادة حزب العمال البريطاني، ترأس منصب رئاسة الوزراء للمملكة المتحدة من عام 1997 حتى 2007، أثار جدلاً واسعاً كونه يمتلك علاقات واسعة مع شخصيات سياسية عالمية كجورج بوش الابن، حيث ساعد بوش بغزو العراق عام 2003، هذا القرار الذي لا زال مثيراً للجدل كونه بُني على أساس باطل ألا وهو امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. لم يكن العراق فقط من عانى من خبث بلير، كذلك أفغانستان.
إن توني بلير يعود للشرق الأوسط من جديد في محاولة من الإدارة الأميركية، وبمساعدة بريطانية لتسليمه إدارة غزة ما هي إلا خطة سياسية مدروسة لفرض هيمنتها من جديد وتدخلها السافر في دول المنطقة، وهذا يكون تحت غطاء المساعدة. تدخلها لم يقتصر على الجانب السياسي بل يطال كل الميادين كالاقتصاد والإعلام، فما هي إلا أدوات حديثة لإعادة بناء وجودها مما يسهل تطبيق أجندتها في الشرق الأوسط.
توني بلير لم يكتفِ بتدمير العراق وأفغانستان، الآن يطمح لإنهاء غزة وجعلها خاضعة لا تقوى على القتال، إلا أن السؤال الذي يتسلل لأذهاننا: كيف يؤثر هذا الأمر أو القرار على غزة والمقاومة؟
“الوصاية بلباس جديد”
تقف اليوم غزة أمام مرحلة مفصلية، فالمخطط السياسي الذي يعمل عليه ترامب ما هو إلا محاولة لإقصاء غزة عن محور المقاومة وجعلها تحت القيادة الدولية برئاسة بلير. والجدير بالذكر أن صحيفة (الإندبندنت البريطانية) ذكرت في مقال يتحدث عن هذا المخطط أن حماس لن تكون جزءاً من السلطة الانتقالية التي ستحكم غزة، هنا يتبين الهدف الأساس من وجود بلير وهو إقصاء المقاومة وجعلها مضمحلة لا تمتلك تمثيلاً سياسياً يساعدها في المطالبة بحقوقها.
لا يكتفي الأمر بإلغاء حماس من السلطة الفلسطينية، بل يقطع علاقتها السياسية والجهادية مع كل من لبنان وإيران واليمن والعراق الذين شكلوا محور المقاومة الذي لطالما دعم غزة والمقاومة الفلسطينية. هنا نقف أمام قطع الدعم اللوجستي الذي أبقى على الوجود المقاوم في غزة.
لا يقف الأمر عند أعتاب منع الدعم اللوجستي وقطع العلاقة بين محور المقاومة وحماس، بل هو عملية تحويل الموارد الإنسانية إلى آلية رقابة وتبعية، تخدم المشروعات السياسية الغربية، أي إعمار مقابل تنفيذ أجندات أميركية صهيونية، فضلاً عن تحويل المقاومة من مشروع حق فلسطيني إلى شأن أمني داخلي. إلا أن هذا الأمر كيف سيطبق عملياً على أرض الواق
»تطبيق مخطط الهيمنة تحت حجة الإعمار»
عندما نسمع بسلطة انتقالية ستقام في غزة نتساءل كثيراً حول الكيفية؟ كيف سيطبق الأمر في الميدان؟
بما أن الإدارة الأميركية تستخدم حجة الإعمار والبناء فضلاً عن الإصلاح، لذا فلن يتم الأمر إلا بإدخال خبراء سياسيين غربيين وإداريين سابقين عملوا في الحكم المدني والإعمار، إلا أن هؤلاء السياسيين يحملون أهدافاً خفية تحت قناع الإصلاح. فسيتم الأمر عبر فرض آليات رقابة مالية وسياسات إصلاحية مرتبطة بأجندات غربية وأجنبية تقصي المقاومة وتستبدلها بمشاريع إدماج تخضع لرقابة خارجية.
لا يكتفي الأمر بعزل القطاع والمقاومة، بل تمرير روايات عبر الإعلام بأن السلام الاقتصادي والحكم الكفء هو الحل الوحيد لغزة، وأن المقاومة ما هي إلا دمار وخراب للشعب الفلسطيني ولا سيما الغزاوي.
“رسائل استراتيجية لمحور المقاومة”
يواجه محور المقاومة مهمة صعبة في إثبات الوجود الجهادي في غزة ولا سيما بعد إعلان المخطط الذي يسعى وراءه ترامب وحكومته، فعلى المقاومة أن تحافظ قدر المستطاع على الاتصال والتمويل السياسي واللوجستي لقطاع غزة من قبل حلفائها، فضلاً عن التأكيد والتشديد على ضرورة تواجدها في المنظومة السياسية للمرحلة الانتقالية تحت الحكم الدولي، وأن أي وصاية خارجية غربية لا تلغي شرعية الممثلين المحليين للمقاومة.
لا يجب أن تكتفي المقاومة الفلسطينية بهذا الأمر، بل يجب أن تكثف تنسيقها الإقليمي مع لبنان وإيران والعراق واليمن، لضمان قدرتها على ردع أي قوة تهدف لعزل القطاع، فضلاً عن استخدام وسائل الإعلام لإيصال فكرة أن “الإعمار بلا حرية ما هو إلا تسليم واضح وصريح للقضية وهدر لدماء شهدائها”. فكما نجحت حماس في تغيير موازين القوى بعد حرب ٧ أكتوبر فهي بالتأكيد قادرة على مواجهة هكذا مخطط يهدف لطمس القضية.
“الخطاب الغربي المتناقض”
لطالما كان الغرب وبعض الوسطاء المطبعين لا يأتون بخطاب صريح عن الوصاية الأجنبية، فضلاً عن انتهاكات الاحتلال للقوانين الدولية، بل عملوا على استخدام لغة ملتوية وضبابية لا يعرف الهدف الأساسي منها، كالسلام وإعادة الإعمار والحكم الرصين. هذه كلها حجج لطالما تغنت بها الدول الغربية في خطاباتها، فالتناقض هو المسيطر الأول والأخير على الخطابات الغربية.
فتراهم تارة يتحدثون عن مصلحة الفلسطينيين، بينما يضعون شروطاً تخدم مصالحهم في المنطقة. مثلاً، اليوم هذا المخطط يقصي المقاومة من أي تمثيل سياسي في السلطة الانتقالية، وهذا يناقض الديمقراطية التي يتشدقون بها.
إلا أن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه على الطاولة هو: لماذا تُعطى السلطة لمن خاضوا حروباً ضد الأمة؟ فإذا ما عدنا إلى التأريخ قليلاً إلى غزو العراق الذي أدى فيما بعد لدماره على يد توني بلير، الذي اليوم يطرح اسمه على الساحة كحاكم لغزة.
إن الإعمار لا يعني أن نخسر أرضنا ومقاومتنا، فالإعمار الحقيقي لا يقوم إلا بسواعد الشعب وسيادة الوطن، لا وصاية غربية تطمح لكسر المقاومة وفرض هيمنتها. الإعمار والكرامة لا يتحققان تحت الوصاية.
إلا أن الخطأ لا يأتي من هذه الدول الغربية، بل من الوسطاء المطبعين الذين يدعمون كل ما يقوله الغربيون، غير آبهين بحياة الشعوب، ولا سيما الفلسطينيين. فيجب التوقف عن استراتيجية الترويج التي تعمل على زرع الاحتلال بمفهوم مساعدة إنسانية.
غزة اليوم تقف أمام مجموعة من السيناريوهات التي قد تزيد الخناق لا تحله، لذا لفهم الوضع الراهن للقطاع يجب فهم السيناريوهات التي تواجه المقاومة وغزة ككل.
“ماذا لو؟”
تقف غزة اليوم أمام العديد من السيناريوهات المحتملة، ولا سيما بعد إعلان أن توني بلير هو أحد المرشحين لقيادة القطاع. أولى وأسوأ السيناريوهات هو أن هذه المرحلة التي سميت انتقالية تمتد لسنوات طويلة، مما يجعل غزة محتلة من الصهاينة والغربيين في آن معاً. إن بقاء هذه القوة في غزة يؤدي لتقطيع أوصال القطاع سياسياً وجعله مهمشاً لا يمتلك صوتاً سياسياً يمثل شعبه. إلا أن الأسوأ والأخطر هو أن هذه الخطة ما هي إلا لتفكيك شبكات المقاومة وتضييق الخناق عليها مما يجعلها منعزلة عن الخارج، وبالتالي تُكسر هذه المقاومة.
إن السيناريو الأقرب للتطبيق، مقاومة محلية وإقليمية تفرض شروطها على هذه الوصاية مما يدفعها للتراجع وإعادة الحكم للسلطة الفلسطينية والإدارة المحلية.
ثالثاً السيناريو العسكري، قد تقوم بعض الدول الإقليمية الداعمة للمقاومة الفلسطينية بفرض معادلة جديدة، مما يجعل هذه الوصاية تتنحى جانباً وتعود الأمور لمجراها. كذلك يمكن أن يستخدم محور المقاومة الخطاب الحاد والجدي بشأن هذا النوع من الخدع التي لا تنطلي على المقاومة.
“نداء غزة إلى محورها”
أي وصاية باسم الإعمار هي محاولة لطمس القضية، فالكرامة تستعاد بسيادة الشعب، لا بتسليم مفاتيح مدنه لمن ساهم في خراب المنطقة. فاليوم على الشعب الفلسطيني دعم مقاومتهم بكل ما آتاهم الله من قوة، فهذا الإعمار ما هو إلا غطاء سياسي لأجندات الغرب.