مقالات الرأي

الجزء الثالث: الدبلوماسية في الميدان – مبادرة سليماني في هندسة الجبهات (الجزء الرابع)

✍️ القسم السياسي:

 

القوة الناعمة في ميدان صعب

كانت القوة الناعمة في ميدان صعب تعمل أيضًا كعامل لمنع انتشار النزاعات الفرعية والانقسامات الداخلية ضمن محور المقاومة. من خلال هذه اللغة، تمكن سليماني من إبراز القواسم المشتركة بين المجموعات وتقليل الخلافات إلى الحد الأدنى، حتى في الظروف التي كان العدو يسعى فيها لزرع الفرقة وتقويض الوحدة. في الواقع، ساعدت هذه المهارة على ضمان بقاء محور المقاومة أكثر تماسكًا وقوة في مواجهة الضغوط والتهديدات الخارجية.

باختصار، كانت القوة الناعمة في ميدان صعب رمزًا لبصيرة وحكمة الشهيد سليماني، التي مكنته من توجيه محور المقاومة بشكل استراتيجي من خلال الجمع بين فن السياسة والقيادة العسكرية وتعظيم قدرات الدبلوماسية في الظروف الميدانية الصعبة.


تأثير حضور قاسم سليماني في تشكيل محاور المقاومة العابرة للحدود

يعد حضور الشهيد القائد قاسم سليماني في تشكيل محاور المقاومة العابرة للحدود أحد أبرز إنجازاته الاستراتيجية، ولا تزال آثارها واضحة في التطورات الإقليمية والعالمية. لم يكن مجرد قائد عسكري؛ فقد جمع حضوره بين الدبلوماسية الميدانية وهندسة شبكات التعاون عبر الحدود. بإيمانه الراسخ بمبادئ المقاومة والعدالة والصمود في مواجهة الهيمنة، أسس قواعد متينة في المنطقة وأوجد محاور قوية ومنسقة.

أولاً، من خلال فهمه العميق للتعقيدات الجغرافية والثقافية والسياسية في المناطق المختلفة، تجاوز سليماني الحدود الوطنية وأسس هيكلًا لم يقتصر على دولة واحدة، بل شمل شبكة واسعة من الدول والمجموعات والمجتمعات المتنوعة، مخلقًا روابط قوية بين الاختلافات لتحقيق هدف مشترك. هذا النهج حول محور المقاومة إلى ظاهرة شاملة قادرة على إدارة التطورات الإقليمية في المجالات الأمنية والسياسية.

على سبيل المثال، في لبنان، عزز حزب الله، محولًا إياه إلى قوة محورية في مواجهة العدوان الإسرائيلي. في سوريا، دعمه للجيش والشعب منع انهيار الدولة أمام الجماعات التكفيرية. في العراق، نظم الحشد الشعبي، موحدًا الشيعة والسنة والأقليات. في اليمن، ساعدت علاقاته مع أنصار الله على تعزيز المقاومة الشعبية. في أفغانستان وباكستان، أنشأ روابط مع مجموعات مقاتلة. علاوة على ذلك، في مناطق بعيدة مثل البحر الكاريبي، خاصة في فنزويلا، ساعد دعمه للحكومة في تعزيز محور المقاومة ضد الهيمنة الغربية.

ثانيًا، بمهارته الفريدة في إدارة العلاقات بين المجموعات والأحزاب المختلفة، تمكن من جمع تحالفات سياسية وعسكرية كانت تبدو متعارضة تحت مظلة استراتيجية واحدة. تأسست هذه التحالفات على القواسم الإيديولوجية المشتركة، والمقاومة ضد الهيمنة الخارجية، والحفاظ على الاستقلال السياسي. أدار سليماني هذه التحالفات بحكمة، مما قلل الخلافات العرقية والطائفية والسياسية. على سبيل المثال، في العراق، وحد مجموعات شيعية وسنية وكردية ضمن الحشد الشعبي.

في لبنان، سهّل التعاون بين حزب الله ومجموعات أخرى بما فيها المسيحيين. في فنزويلا، دعم الحكومة أدى إلى خلق تعاون استراتيجي مع محور المقاومة، بما في ذلك إرسال الوقود والمساعدات اللوجستية لمواجهة العقوبات الأمريكية. هذه التحالفات العابرة للحدود عززت القدرة العملياتية لمحور المقاومة بشكل غير مسبوق، كما يتضح من العمليات المشتركة بين حزب الله والحشد الشعبي وأنصار الله والقوات السورية ضد التهديدات المشتركة.

ثالثًا، كان تأثير سليماني في مواجهة التهديدات الإقليمية والعالمية بارزًا أيضًا. من خلال تنظيم وتنسيق العمليات العسكرية والسياسية، لعب دورًا رئيسيًا في احتواء وهزيمة الجماعات التكفيرية مثل داعش، واستعادة الاستقرار النسبي للمناطق المهددة بالانهيار.

على سبيل المثال، في 2014، عندما سيطر داعش على الموصل، حشد سليماني القوات المحلية والحشد الشعبي لمنع سقوط بغداد. في سوريا، تم تحرير حلب بتنسيق منه. في فنزويلا، دعمه للحكومة ضد الضغوط الاقتصادية والسياسية الأمريكية ساعد في الحفاظ على استقلال البلاد، وهو ما أوجد أساسًا لتعزيز التعاون العابر للحدود ذو أهمية سياسية واجتماعية كبيرة.

رابعًا، لعب سليماني دورًا محوريًا في تعزيز شرعية محور المقاومة بين شعوب المنطقة وما وراءها. نشأ شعبيته من وجوده الميداني، وتفاعله الصادق مع مختلف الفئات، وتركيزه على القيم الإنسانية. على سبيل المثال، في العراق، التقى بعائلات ضحايا داعش، وفي لبنان، جعله حضوره في المناطق المهمشة شخصية محبوبة.

في فنزويلا، دعمه للشعب ضد العقوبات القاسية رمزًا للتضامن مع الأمم المظلومة، عزز مكانة محور المقاومة بين شعوب المنطقة. هذه التفاعلات جعلت محور المقاومة ليس فقط ذا أهمية سياسية وعسكرية، بل أيضًا رمزًا مشروعًا للمقاومة في قلوب الناس.

كان حضور سليماني في تشكيل محاور المقاومة العابرة للحدود مزيجًا ذكيًا من الدبلوماسية، الثقافة، إدارة الأزمات، وفن القيادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى