القسم السياسي

التبريرات الأمريكية الواهية : خطوات نحو تصعيد عسكري ضد فنزويلا

✍️حوراء المصري

 

يتزايد التوتر في منطقة البحر الكاريبي، فقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث مؤخراً عن تنفيذ ضربات عسكرية ضد زوارق يُزعم أنها متورطة في تهريب المخدرات، مدعياً أن هذه العمليات تأتي ضمن تفويض قانوني يحمي الأمن القومي الأمريكي. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذه الخطوات ليست سوى غطاء لتصعيد محتمل يستهدف فنزويلا، خاصة مع انتشار قوات أمريكية كبيرة في المنطقة، بما في ذلك ثماني سفن حربية، غواصة نووية، وطائرات مقاتلة من طراز F-35 في بورتوريكو. هذه التحركات، التي بدأت في أواخر أغسطس 2025، تثير تساؤلات حول نوايا واشنطن الحقيقية، خاصة في ظل تاريخ طويل من التوترات مع كاراكاس.

التصعيد العسكري الأمريكي في الكاريبي: تفاصيل التحركات

بدأت الإدارة الأمريكية، تحت قيادة الرئيس المتعطش للحروب دونالد ترامب، حملة عسكرية مكثفة ضد ما تصفه بـ”عصابات المخدرات” في جنوب البحر الكاريبي. حتى الآن، نفذت الولايات المتحدة أربع ضربات جوية على الأقل منذ بداية سبتمبر 2025، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 21 شخصاً، بما في ذلك أربعة في الضربة الأخيرة التي أعلن عنها هيغسيث في 3 أكتوبر 2025. وفقاً لبيانات الإدارة، كانت هذه الزوارق تحمل مخدرات وتتبع لعصابات مثل “ترين دي أراغوا”، التي صنفتها واشنطن كـ”منظمات إرهابية مخدراتية”.  وأكد هيغسيث أن “هذه الضربات ستستمر حتى تنتهي الهجمات على الشعب الأمريكي”، مشيراً إلى أن الاستخبارات الأمريكية أكدت تورط هذه الزوارق في تهريب المخدرات دون تقديم أدلة علنية مفصلة.

تأتي هذه العمليات في سياق نشر عسكري واسع، حيث أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 4500 جندي، بالإضافة إلى أصول بحرية وجوية متقدمة. وفقاً لتقارير، يهدف هذا الانتشار إلى “مكافحة تهريب المخدرات”، لكنه يتجاوز الجهود التقليدية التي كانت تقودها خفر السواحل الأمريكي، ليصبح عملية عسكرية مباشرة تستخدم القوة المميتة ضد أهداف مدنية مشتبه بها.

 وفي السنة المالية 2025، أعلن خفر السواحل عن مصادرة نحو 175 ألف رطل من الكوكايين في المنطقة، مما يعزز الادعاءات الأمريكية، لكن النقاد يشيرون إلى أن التصعيد الحالي يتجاوز الحدود التقليدية للعمليات الشرطية.

التبريرات الأمريكية: بين الادعاء بالنزاع المسلح والفقدان القانوني

تعتمد الإدارة الأمريكية على تصنيف الكارتلات كـ”جماعات مسلحة غير حكومية” ووصف أنشطتها بـ”هجمات مسلحة” على الولايات المتحدة، مما يسمح –وفقاً لها– باستخدام القوة العسكرية بموجب قوانين الحرب. كما يُصنف المشتبه بهم كـ”مقاتلين غير قانونيين”، مستنداً إلى سلطات الرئيس الدستورية كقائد أعلى للقوات المسلحة. ومع ذلك، يفتقر مصطلح “الإرهاب المخدراتي” إلى أي اعتراف دولي، ولا يبرر استثناءاً من قواعد حقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي.

بالإضافة إلى ذلك، يدعي هيغسيث أن هذه الضربات تأتي كرد استباقي لـ”إرسال رسالة رادعة” للعصابات، لكن هذا النهج ينتهك مبدأ الحق في الحياة، حيث يُسمح باستخدام القوة المميتة في زمن السلم فقط لإنقاذ حياة فورية، لا كأداة رادعة. كما أن غياب تفويض من الكونغرس يثير جدلاً دستورياً داخلياً، إذ رفض السناتورون مؤخراً قراراً يهدف إلى منع هذه العمليات بموجب قانون صلاحيات الحرب.

الانتقادات القانونية: انتهاكات دولية ومحلية

تواجه هذه العمليات انتقادات حادة على المستويين الدولي والداخلي. من الناحية الدولية، يُعتبرها خبراء في الأمم المتحدة “عمليات قتل خارج نطاق القضاء”، تنتهك القانون البحري الدولي وقوانين البحار. غياب أدلة ملموسة على وجود مخدرات على متن الزوارق يعزز هذه الاتهامات، حيث لا توجد آلية للتحقق المستقل. كما أن فكرة “النزاع المسلح” مع جماعات الجريمة المنظمة مرفوضة قانونياً، إذ لا تُعتبر هذه الجماعات أطرافاً في نزاع مسلح وفق اتفاقيات جنيف.

داخلياً، يثير الإجراء جدلاً حول الشرعية الدستورية، خاصة أن القانون الأمريكي لا يفرض عقوبة الإعدام على جرائم الاتجار بالمخدرات دون محاكمة عادلة. أعضاء في الكونغرس، من الديمقراطيين والجمهوريين، انتقدوا غياب مسار قضائي واضح، محذرين من أن هذا يشكل سابقة خطيرة لاستخدام القوة العسكرية ضد مدنيين. خبراء قانونيون يرون أن هذه العمليات تدفع الولايات المتحدة بعيداً عن الإجماع الدولي حول قواعد القانون الدولي.

الردود الدولية والفنزويلية: إدانة وتصعيد دفاعي

أدانت فنزويلا هذه العمليات كـ”غير قانونية” وذريعة لـ”تغيير النظام”، مطالبة باجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لوقف “الأعمال العدائية” الأمريكية. وصفت كاراكاس الانتشار العسكري بـ”غير مسبوق”، متهمة واشنطن باستخدام مكافحة المخدرات كغطاء للسيطرة على احتياطيات النفط والغاز والذهب في فنزويلا. كما أجرت فنزويلا تدريبات دفاعية شاملة، بما في ذلك تمارين مدنية وعسكرية تحت اسم “الكاريبي السيادي”، شارك فيها مدفعية وطائرات بدون طيار وغواصات، كرد على الضربات الأمريكية.

دولياً، أدان خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الضربات كغير قانونية، ودعا الأمين العام أنطونيو غوتيريش إلى رفض التهديدات العسكرية الأمريكية في المنطقة. حلفاء فنزويلا في المنطقة، مثل دول الكاريبي، اعتبروا العمليات محاولة لزعزعة الاستقرار، بينما حذرت تقارير من أن الولايات المتحدة تفكر في ضربات داخل الأراضي الفنزويلية.

خاتمة: سابقة خطيرة وتمهيد لتصعيد أكبر

في النهاية، تبدو التبريرات الأمريكية مبنية على أساس هش قانونياً، تعتمد على “حماية الأمن القومي” دون سند رصين. يرى الخبراء أن هذه العمليات تشكل سابقة خطيرة لاستخدام القوة العسكرية خارج نطاق القضاء، وقد تكون خطوة نحو تدخل مباشر في فنزويلا، خاصة مع التوترات التاريخية حول مواردها الطبيعية. هذا التصعيد يعكس استراتيجية إدارة ترامب في توظيف الدعاية لتبرير أهداف سياسية أوسع، مما يهدد السلام الإقليمي ويستدعي تدخلاً دولياً لضمان احترام القانون الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى