القسم السياسي

التفاف سياسي خطير: كيف تصبح غزة بعيدة عن الضفة؟ خطة تفكيك القضية الفلسطينية

✍️حوراء المصري

 

غزةُ هاشم، هذه المدينة التي تحملُ تأريخًا حافلًا بالشجاعة والبسالة في الدفاع عن أرضها وشعبها، تكاد اليوم تُنسى كأنها لم تكن تلك البقعة التي ركعَ أمام جبروتها العدو. بين الاعترافات الأوروبية ولعبة المناصب تُرسم خارطة جديدة لفلسطين بأيدي أمريكية-بريطانية تهدف إلى إقصاء غزة عن الضفة وجعل السلطة الفلسطينية بعيدة كل البعد عن قيام دولة تهتم بها وحدها. لذا يطرحُ السؤال نفسه اليوم: هل أصبح حلم الكيان الصهيوني أقرب إلى التحقيق عبر تقزيم حقوق الفلسطينيين؟

غزة صفحة مشرفة في القضية الفلسطينية

منذ قيام الاحتلال الغاشم ومرور القضية بمراحل مفصلية — من قرار التقسيم إلى مقاومة الشعب ثم محاولات الحلول المؤقتة — كانت غزةُ من أوائل المناطق التي واجهت محاولات تفكيك الأواصر الجغرافية لفلسطين. هذا التفكيك يصعّب إقامة مقاومة شعبية جهادية ضد هذا العدو، بل ويعوق أي تدخل عربي أو إقليمي يهدف لردع الهيمنة. لذا يتبين لنا أن أي فكرة خارجية أو إقليمية تحمل بوادر التفكيك ما هي إلا محاولة للقضاء على القضية وجعلها منسية.

التفكيك بأيدي غربية

ظهرت بوادر مساعٍ غربية لوضع غزة تحت إدارة دولية بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، التي لطالما حملت حلم إجهاض خيار الدولة الفلسطينية المستقلة حفاظًا على نفوذها الأمني والسياسي في المنطقة. هذه الخطة جرى التخطيط لها من بعض الأطراف الدولية والمحلية التي لعبت دورًا في ترويجها وجعلها أكثر قبولًا في بعض الدوائر العربية، كما لعبت بريطانيا دور الوسيط الذي يسعى لفرض نفوذ جديد عبر فرض إدارة أو حاكم على غزة. اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطينية قد يحمل من الشروط ما يخدم المصالح الغربية، بينما تلتزم بعض الدول العربية والإسلامية صمتًا مخجلًا مقابل مصالحها الاقتصادية والسياسية. يبقى السؤال: من سيُعيّن فعلاً في غزة؟ وهل ستُدار من قبل الغربيين فقط أم بمشاركة فلسطينية حقيقية؟

آليات التنفيذ — كيف تتم الخطة عمليًا؟

بدأت مؤشرات التنفيذ عبر اعترافات أوروبية بدولة فلسطين، لكن ذلك غالبًا مشروط سياسياً، بحيث يتحوّل السلام إلى سلام «منقوص» محكوم بأحكام غربية وصهيونية، مع تأطير حدودي وعزل مناطق عن بعضها، وفرض قيود على ملف اللاجئين. تتطلب الخطة آليات عملية مثل فرض حكومة انتقالية بقيادة دولية، فصل البنى التحتية والاتصالات بين غزة والضفة بفتح معابر منفصلة وسياسات حدودية، وفصل الأنظمة المالية والإدارية لجعل القطاع منعزلًا عن السلطة الفلسطينية. لن تتوقف الأمور عند الفصل الإداري بل ستنشط حملات إعلامية لتثبيت فكرة التطبيع وترويج أن القطاع كيان منفصل عن الضفة، ما يضعف الدعم الشعبي لغزة ويشطر أواصر المقاومة.

أهداف استراتيجية تحمل نوايا التفكيك

الخطة ليست إجراءً إداريًا فحسب، بل مشروع سياسي استراتيجي تُرسَمه أيدي غربية تطمح لتفكيك الجغرافيا الفلسطينية. الهدف واضح: عزل غزة عن الضفة، قطع قنوات التواصل بين المقاومة في القطاع ومحور المقاومة regional، وإقصاء حماس عن المشهد السياسي الرسمي. طالما بقيت القضية موحدة، ستبقى ورقة ضغط في يد المقاومة الفلسطينية؛ لذلك يسعى الغرب إلى عزل غزة لتسهيل اجتثاث أي بوادر مقاومة. بالإضافة إلى ذلك، ستُنشأ بؤر نفوذ غربية تُسهِم في دعم السياسات الصهيونية ومخططات بعض الدول المطبعة، فتنتهي القضية إلى حالة هامشية عابرة.

تداعيات التفكيك: ما مصير القضية الفلسطينية؟

تطبيق خطة عزل غزة عن الضفة يحمل تداعيات خطيرة تمس الهوية الفلسطينية والقضية والمقاومة ككل، من أبرزها:

• تفكيك التمثيل السياسي: منع مشاركة حماس في التمثيل السياسي، ما يفضي إلى وجود سلطتين متنازعتين في غزة والضفة.

• إضعاف المقاومة وقطع طرق الإمداد، ما يسهل كسرها واستخدام النزاع الداخلي ذريعة لنزع السلاح.

• تسريع التطبيع: بعض الدول ستعتبر الملف الفلسطيني «منهياً» وتشرع التطبيع الرسمي.

• فقدان الدعم الدولي: الصوت الفلسطيني يضعف في المحافل الدولية نتيجة الانقسام، ويؤثر ذلك على الحضور الدبلوماسي للمقاومة.

فكيف نواجه هذا المخطط الغربي؟

مواجهة الخطة بموقف موحّد

موقف المقاومة اليوم سيحدد المصير. لمواجهة مخططات التفكيك يجب توحيد الصفوف عبر اتفاقات بين الفصائل والأحزاب الفلسطينية لمنع النزاع الداخلي، واستثمار الإعلام كمدافع مدروس لكشف نوايا الأمريكيين والبريطانيين. كما يمكن للمقاومة أن تطلب دعمًا علنيًا من محور المقاومة، ربطًا بين القضية والدعم الإقليمي لتأمين شبكة دفاعية سياسية ولوجستية. يجب الضغط دبلوماسيًا على الدول الأوروبية لكشف الاتفاقيات المشبوهة وإجبارها على مراجعة مواقفها.

المصادقة على خطة التفكيك ماهي إلا خيانة للقضية

على المقاومة وأهل غزة ألا يَغتروا بغطاءات السلام التي تخفي مصالح الهيمنة. غزة لأهلها ومقاومتها وليست للبيع أو للتصرف الدولي المخترق. الغرب وأدواته لا يسعون إلى حل عادل ما لم يرضَ عن ذلك العدو، وقطر مثلاً لعبت دورًا وسطيًا ثم واجهت اعتداءً صارخًا؛ هذا يبيّن أن إدارة غزة من قبل الغرب — لا سيما بريطانيا وأمريكا — تعني وصاية جديدة بلباس دبلوماسي.

غزة شرف وعزة

«لنتحرك اليوم قبل أن نُهدم غدًا»

إذا مرّ هذا المخطط دون حراك شعبي ـ عربي ـ إسلامي، فسيكون قد فُقدَت غزة والقضية الفلسطينية إلى الأبد، وتتحوّل الجغرافيا الفلسطينية إلى خرائط متكسرة غير موحدة. التحرير يصنعهُ الوحدة والمقاومة لا الصفقات والهوامش. لذلك؛ لنكثّف الحملات الإعلامية التي تدعم محور المقاومة وتواجه الهيمنة الغربية، ولنبين أن القضية عربية وإسلامية لا تقبل الخذلان. أيها الشعب العربي الحرّ، هبّوا لنصرة القضية الفلسطينية ولا سيما غزة التي تواجه اليوم مخططًا مصيريًا يسعى لفكّ أواصرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى