مقالات الرأي

الجزء الرابع: سليماني والمرجعية – رابط خاص مع النجف وقم وطهران (الجزء السادس)

✍️ القسم السياسي:

 

كانت علاقته مع قائد الثورة أعمق من مجرد قائد وجندي؛ فقد كان هناك تواصل يومي – وجهًا لوجه، أو هاتفيًا، أو كتابيًا. استقبل آلاف التوجيهات من القائد، ربما أكثر من أي شخص آخر في البلاد. كان يقول إنه طبق كل توجيه، وفهم نتائجه بدقة، ولم يجد أي خطأ فيها. بالنسبة له، كان هذا دليلاً على الوحي الإلهي في كلمات وقرارات القائد.

حدوده الحمراء كانت القائد. مع كل شخص وكل مجموعة، بغض النظر عن الخلفية الفكرية، كان يتعامل بالمحبة والتعاون، لكنه لم يكن يتحمل أدنى إساءة تجاه القائد. ذات مرة، عندما سمع أن شخصًا ما اتهم القائد في اجتماع، غضب بشدة وقال إنه كان يجب ضربه بالكوب ليأخذ عبرة.

لكن سليماني لم يكن مجرد تابع للقائد؛ بل كان معززًا للولاء. مثل مالك الأشتر لعلي (عليه السلام)، لم يكن مجرد تابع، بل ذراع قوي للقائد. مع كل خطوة وكل انتصار في الميدان – من سوريا إلى العراق، من لبنان إلى اليمن – ربط قلوب الملايين بالثورة وقائدها. وجوده غير المعادلات؛ فلم يُهزم الأعداء فحسب، بل زرع أيضًا الإيمان بحكمة القائد في نفوس الناس. كان يعلم أن نجاحاته في الخارج تؤمن الثورة في الداخل.

عندما حطم داعش أو أعاد تنشيط محور المقاومة، أظهر للشعب أن النظام، رغم القصور الداخلي، قادر على تحدي العالم. استشهاده جمع ملايين الأشخاص في الشوارع – ليس من أجله فقط، بل من أجل الطريق الذي ضحى بحياته من أجله: طريق الولاء للقائد. حتى بعد موته، كان معززًا للولاء. ظن الأعداء أن قتله سيكسر المقاومة، لكن الفيضان البشري الذي بكى عليه أظهر أن سليماني أبقى روح القيادة حية في القلوب.

كان يعمل بوعي كامل. كان يؤمن أن النجاحات الخارجية للنظام هي مفتاح بقاء الثورة. لذلك، لم يسمح أبدًا لتقسيمات العدو – بين الاقتصاد والمقاومة، أو الداخل والخارج – أن تضعف مساره. مع كل عملية، وخطاب، وابتسامة للمقاتلين، أظهر أن الولاء ليس مجرد مفهوم، بل قوة يمكنها تحريك العالم. مسح سليماني وهم السلام مع العدو وأبطل منطق الاستسلام. من خلال ثباته، أضاء طريق المقاومة وأظهر أن تعزيز الولاء يعني بناء عالم حيث القائد والثورة مرادفان للعزة والانتصار.

سليماني والأزمات الداخلية في العراق في ظل التوجيه الديني:

في العراق المعاصر، نادرًا ما خلت فترات من الفتن والمؤامرات والاضطرابات. العراق، بموارده الغنية وموقعه الاستراتيجي وتنوعه الديني والعرقي ووجود العتبات المقدسة، كان دائمًا محور اهتمام اللاعبين الإقليميين والدوليين. في هذا السياق المضطرب، كان الشهيد القائد قاسم سليماني ليس مجرد قائد عسكري محترف، بل أيضًا مدير أزمات شامل في العراق، مستفيدًا من العقلانية الدينية، واتصالاته مع المرجعية، وثقة عميقة في الشعب ومجموعات المقاومة للعب دور لا مثيل له في احتواء الفتن.

نظرة استراتيجية لدور المرجعية الدينية:

من خصائص سليماني البارزة فهمه العميق لدور المرجعية الدينية في الهيكل الاجتماعي والسياسي للعراق. على عكس بعض القوى الخارجية التي كانت تنظر إلى المرجعية نظرة أمنية أو أداة فقط، كان سليماني يرى أنه لا يمكن لأي استراتيجية في العراق أن تكون مستدامة دون التنسيق مع المرجعية الشيعية، وخاصة سماحة السيد السيستاني (دام ظله).

كان يعتبر المرجعية ليس فقط مصدر الفتاوى، بل مركزًا للعقلانية الاجتماعية، وحافظًا على الوحدة الوطنية، وركيزة للشرعية السياسية في العراق بعد البعث. لذلك، في اللحظات الحرجة، كان يستشير ممثلي المرجعية أو السيد نفسه قبل أي خطوة لضمان توافق تحركاته السياسية والميدانية مع التوجيهات الدينية الشيعية.

فتنة 2019: احتجاجات أكتوبر وإدارة الأزمة:

أحد أصعب فترات تواجد سليماني في العراق كانت احتجاجات الشوارع عام 2019، المعروفة بتظاهرات أكتوبر. بدأت هذه الاحتجاجات بمطالب اجتماعية مشروعة مثل معالجة البطالة، ومكافحة الفساد، وإصلاح النظام الإداري، لكنها تحولت بسرعة إلى ساحة لتدخلات منظمة من قبل أطراف خارجية، لا سيما الولايات المتحدة، والسعودية، وشبكات مرتبطة بالسفارات الغربية.

في تلك الفترة، استغل بعض العناصر المتسللة الفضاء الشعبي، ورفعوا شعارات مناهضة للحشد، وضد إيران، وحتى ضد المرجعية. حاولت بعض السفارات تفعيل خطوط صدع بين الشيعة، ودفع العراق نحو الفوضى التامة.

في هذا السياق، دخل سليماني الميدان بحذر وصبر بالغين. عمل ليس فقط كقائد لقوة القدس، بل كممثل للعقلانية في محور المقاومة، ساعيًا إلى:

  • الاعتراف بالمطالب المشروعة للشعب؛

  • احترام الخطوط الحمراء للمرجعية؛

  • منع الإجراءات الأمنية العمياء؛

  • وفي الوقت نفسه، منع تنفيذ المشاريع الانفصالية أو التخريبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى