القسم السياسي

“القضية الفلسطينية… جذورٌ دُكَّت في أعماق التأريخ”

✍️حوراء المصري

“الصراع على الأرض المقدسة”

القضية الفلسطينية قصةٌ لم تبدأ بين ليلةٍ وضحاها، بل هي مشكلة متجذّرة في أعماق التأريخ. فلم تنعم أرض القدس بأيّ مظهرٍ من مظاهر الحرية منذ بزوغ التأريخ، فمن الانتداب حتى يومنا هذا لا تزال تعيش تحت نير الاستعمار والهيمنة.

عاشت فلسطين من عام 1920 حتى عام 1948 تحت ظلّ الانتداب البريطاني، حيث سلّمت في الأخيرة القيادات البريطانية زمام الحكم إلى الكيان الصهيوني الذي أصبح رسميّاً يقود فلسطين منذ عام 1948. ومن هنا بدأت صفحة جديدة من صفحات الاستغلال والاستعمار، فالشعب الفلسطيني لم يعد يقاتل القوات البريطانية المؤقّتة، بل أصبح يقاتل قوات دائمة تسعى لطرده من أرضه بأيّ ثمن.

أخذ الاحتلال يرتكب الجرائم والمجازر بحقّ الفلسطينيين، مختبئاً تحت غطاء الدعم الغربي وحجّة الشرعية المزيّفة التي تستند إلى بعض النصوص الغامضة التي ذُكرت في الأسفار.

على هذه الخلفية شهدت منطقتنا الكثير من الثورات والانتفاضات، فأشهرها ثورة عزّ الدين القسّام عام 1935، حيث كانت بمثابة الشرارة الأولى لقيام الثورة الفلسطينية الكبرى. لم يقف الأمر عند أعتاب هذه الثورة، بل تبعتها ثورات عديدة كحرب عام 1948 التي عُرفت بحرب النكبة، وكذلك حربا 1956 و1967 و1973، فضلًا عن جملة من الحروب الطاحنة التي حدثت على الأراضي اللبنانية.

إلا أن الجدير بالذكر أنّه في كلّ من هذه المحطات لم يكن ميزان القوى متكافئاً، بل كنّا نقاتل قوى طاغية متجبّرة تتلقّى الدعم الغربي في كلّ خطوةٍ تخطوها، فضلًا عن سعيها لنهب ثرواتنا وفرض سيطرتها على شعوبنا وقهر إرادتنا الحرة عبر منع تطوّرنا وتقييد استقلاليتنا.

“إنّ الجبهة العربية قدّمت الآلاف من التضحيات والشهداء الشرفاء، فكان الثمن باهظاً في مواجهة هذا الظلم.”

 

“أصوات الفداء تعلو على أصوات الاستسلام”

خلال هذه الحروب المفصلية التي مرّت بها المنطقة برزت بعض الأصوات المتبجّحة بالاستسلام والقبول بالوجود الصهيوني كأمرٍ واقع لا مفرّ منه، خوفاً وقلقاً من خوض مواجهة قد تحمل في طيّاتها عواقب وخيمة.

إلا أن إرادة الشعوب تفوق كلّ هذه المحاولات الفاشلة في السماح لهذا الكيان الجائر بفرض سلطته علينا وعلى شعوبنا، فبقيت الحرية والكرامة شعلةً لا تنطفئ ومقداماً لنهر العطاء والتضحيات.

فهذه الأرض هي الحافظ الوحيد لكرامتنا ولأمتنا العربية والإسلامية، فهيهات أن ترضخ لأيّ قوى غاشمة ككيانٍ لا تأريخ له، وليدِ التفاهمات الغربية.

فلو قبل أجدادنا عام 1948 بالذلّ والهزيمة، لكان مصيرنا العبودية للوحش الاستعماري الغاصب لأرضنا، ولكان تأريخنا تملؤه صفحاتٌ سُطّرت بالخزي.

فاليوم فخرُنا ما هو إلا نتاجٌ لتضحياتٍ قدّمها أجدادُنا الذين رفضوا الركوع والخنوع، وواجهوا العدوَّ بكلّ ما آتاهم الله من قوّةٍ وثباتٍ وعزيمة. فبفضلهم ورثنا الكرامة والشهامة التي ثبّتت أقدامنا على هذه الأرض، فضلًا عن شرف المقاومة والدفاع ضدّ أشدّ أنواع الاستعمار.

 

“صراع المستعمرين….. تأريخُ البشرية”

إذا ما نظرنا للماضي، حيث صفحاتُ التأريخ البشري تضجّ بالصراع والكفاح ضدّ المستعمرين وصراخ المستضعفين الرافضين للهيمنة الغربية بكلّ أشكالها وأنواعها، فالأمر لم يقتصر على المواجهات الحربية في ساحات القتال.

فلولا العقل البشري لبقي المجتمع لا يفقه شيئاً عن الاستعمار وأهدافه ونواياه الخبيثة، فارتقى الإنسان إلى مقامٍ أصبح يفهم فيه كلّ هذه الخطط الغربية، وذلك بفضل تبنّيه لقيم الحرية والتضحية والكرامة، مما فسح له المجال لمواجهة قيادات العبودية والاستغلال، وجعل عملية الهيمنة أمام القوى الخارجية الطامعة في أرضنا أكثر صعوبة.

 

“العقل منبعُ الحرية والكرامة”

في كلّ هذه الحروب كان العقل هو المسير الأول لنفوسنا، فضلًا عن عقيدتنا التي دعت لتطوير العقل بالمعرفة. فعبر تثقيف شبابنا بمعنى وعواقب الاستعمار، أخذوا على عاتقهم الجهاد في سبيل قطع سبل الهيمنة وانتشال الأمة من هذه المخططات التي تطمح لطمس الهوية، ولا سيّما الإسلامية.

لذا، كان العقل بمثابة منبعٍ للحرية والكرامة، فضلًا عن الأخلاق التي كانت ولا تزال جوهرَ التضحية والعطاء، فالأخلاق والقيم ما هي إلا دروسٌ تُزرع فينا منذ نعومة أظفارنا.

“هكذا يمضي التأريخ قدماً، فلا مكان في منطقتنا للاستسلام أو قبول الهزيمة، فأنسانيتنا ترفض هذا الذلّ، وكرامتنا تأبى المهانة.”

لذا فلتعلموا أننا سنرتقي بالمقاومة حتى آخر رمقٍ لنا، فسنُضمّد الجراح بالصمود والعزّة، ونحملُ على عاتقنا هذه المسؤولية التأريخية بفخرٍ بلا كللٍ ولا ملل، لكي يشعر أجدادُنا بالعزّ والفخر، فحفدتهم لم يركعوا لأيّ من القوى الخارجية الخاسئة.

بل العكس، الأمريكي والصهيوني والبريطاني هم من خرّوا خوفاً وعجزاً أمام شبابنا المقاوم المقدام الذي لا يهاب المخاطر.

 

في نهاية المطاف، هذه رسالةً إلى كلّ من يظنّ أنّ القهر والاستغلال سيبقيان:

ستبقى إرادةُ الشعوب حرةً غير قابلةٍ للكسر، فلطالما كانت مشعلاً لا ينطفئ في وجه العدوّ الغاصب. فالتأريخ سيكتب أسماءَ أبطالٍ اختاروا الحرية على الذلّ، والكرامة على المهانة، فلم يُبخسوا جهودَ أجدادهم في الحفاظ على أرضهم شامخةً مكرّمةً مكلّلةً بالعزّة والشرف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى