الجزء الرابع: سليماني والمرجعية – رابط خاص مع النجف وقم وطهران (الجزء الثامن)

القسم السياسي:
الالتزام العملي بتوصيات العلماء في ميدان الحرب
لم يقتصر الحاج قاسم على لقاء العلماء فحسب، بل كان يطبّق توصياتهم وإرشاداتهم عملياً في ساحة القتال. وذكر موقع شفقنا (ar.shafaqna.com) أنه خلال عملية تحرير تكريت عام 2015، حين أُثيرت مخاوف بشأن وضع المدنيين، أوعز الحاج قاسم بأن تُخطط العملية بطريقة لا تُلحق الضرر بالمدنيين. وفي اتصال هاتفي مع أحد ممثلي المراجع في النجف أكد قائلًا: «نحن أمناء على أرواح الناس، وببركة فتاوى المراجع نحفظ هذه الأمانة.» لقد عكست هذه المقاربة التزامه العملي بالفقه والأخلاق الإسلامية.
خلال عملية البوكمال (آخر معاقل داعش في سوريا عام 2017)، نقل الحاج قاسم عن أحد القادة المشاركين (في مقابلة مع قناة برستيفي) نصيحة آية الله مکارم شیرازی بأن «حفظ أرواح المدنيين أهم من أي نصر عسكري». ونقل هذا المبدأ كقاعدة عملية لقواته وحتى في خضم الاشتباكات طلب من الوحدات التابعة له إقامة ممرات آمنة لخروج المدنيين. وقد أوردت تقارير وسائل إعلام غربية مثل صحيفة الغارديان دور سليماني في تقليل عدد الضحايا المدنيين في عمليات مواجهة داعش.
الارتباط بمکتب أهل البيت واعتبار العلماء معلّمين
كان الحاج قاسم يَعتبر نفسه تلميذاً لمکتب أهل البيت ويرى العلماء كممثلي هذا المکتب. ففي أحد خطاباته أمام قوى المقاومة (نُشر على القناة الرسمية لمؤسسة مکتب حاج قاسم على تليغرام) قال: «في ميدان القتال أخذنا دروسنا من العلماء والمراجع. هم من علّمونا كيف نجاهد في سبيل الله وكيف نحافظ على حرمة الإنسان.» وقد بدا هذا الموقف جلياً أيضاً في تعامله مع علماء أهل السنة.
وذكر موقع العالم (alalam.ir) أنه خلال التعاون مع القوات الكردية والسنية في العراق التقى الحاج قاسم بعلماء أهل السنة في منطقة الموصل واستمع باحترام لآرائهم، وقد وصفه بعض هؤلاء العلماء لاحقًا بأنه «رجل عادل وذو إيمان».
تأثير متبادل: نظرة العلماء إلى الحاج قاسم
كانت علاقة الحاج قاسم بالعلماء علاقة متبادلة. فقد رأى كثير من المراجع والعلماء فيه ليس مجرد قائد عسكري، بل نموذجاً عملياً للالتزام بالقيم الدينية. فقد وصفه آية الله جوادي آملي في لقاء معه (نقلاً عن موقع جماران) بأنه «جندي مخلص للإسلام» وقال: «لقد أظهرت أنه يمكن أن يكون المرء تابعاً لمکتب أهل البيت حتى في ميدان القتال.» كما أشار آية الله نوري همداني في بيان بعد استشهاد سليماني (نشرته وكالة إيران للأنباء — إيرنا) إلى أنه «ابن مکتب الفقه والجهاد»، مؤكداً أن تعامله مع العلماء كان نموذجاً للأدب الإسلامي.
كما أشارت مصادر خارجية إلى هذه العلاقة. ونقلت بي بي سي عربي (bbc.com/arabic) عن بعض المحللين الإقليميين اعتقادهم بأن احترام سليماني للعلماء والتزامه بفتاوى الدين كان أحد أسباب نفوذه الروحي بين المجتمعات الشيعية وحتى السنية، وأن هذا الاحترام منحه شرعية أخلاقية ودينية تتجاوز قوته العسكرية.
نماذج عملية من السلوك في مواقف محددة
في سرد أقل شهرة ورد في كتاب «الحاج قاسم والعلماء» (تأليف محمدعلي بورموسوي)، ذُكر أنه خلال زيارة إلى مشهد في سنة 1396هـ ش (2017م)، وبعد زیارته لحرم الإمام الرضا، التقى الحاج قاسم بآية الله واعظ طبسي. استمع باهتمام لتوصياته حول حفظ الوحدة الإسلامية وطلب منه الدعاء لنجاح قوى المقاومة. يُظهر هذا اللقاء، الذي جرى في ظل عملیات كثيفة في سوريا، أولوية الحفاظ على الصلات الروحية مع العلماء حتى في الأوقات الحرجة.
وفي مثال آخر نقل عن مقابلة لأحد مقرّبي الحاج قاسم على قناة المنار (almanar.com.lb) أنه خلال عمليات تحرير حلب اتصل قبل بدء العملية بأحد علماء قم وطلب منه الدعاء للمقاتلين قائلاً: «نحن نقاتل بالسلاح، لكن نصرنا مرهون بدعاء العلماء والشعب.» هذا يبرز إيمانه العميق بالدور الروحي للعلماء في تحقيق النصر العسكري.
خلاصة ضمنية في سلوكه
إن سلوك الحاج قاسم مع العلماء ينبع من إيمانه العميق بالعلاقة بين الجهاد والفقه. أظهر بتصرّفاته أن القائد العسكري يمكن أن يكون، إلى جانب قوته وسلطته، تلميذاً متواضعاً أمام العلماء ويُراعي القواعد الأخلاقية والشرعية في ميدان القتال. وهذه الصفة جعلته رمزاً للتوافق بين الإيمان والعمل والآداب الدينية، وهو ما أوجده في المصادر الإيرانية والعربية وحتى الأجنبية كأحد وجوه شخصيته البارزة.
الحاج قاسم سليماني: حارس العدالة والتعايش بين الأديان
إن سلوك الشهيد الحاج قاسم تجاه الأديان الأخرى ودوره في حماية الكنائس، وتحرير الإيزيديين في العراق، وإنقاذ راهبات معلولا في سوريا، يعكس إنسانيته العميقة وإيمانه الراسخ بقيم العدالة والتعايش السلمي. فقد كان سليماني، كقائد لقوة القدس في الحرس الثوري الإسلامي، رمزاً للمقاومة ضد الظلم والإرهاب، وسعى دوماً لحماية المظلومين بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم.
واستلهاماً من القيم الإسلامية الأصيلة التي تروج للدفاع عن الإنسانية، ظلّ متمسّكاً بهذه المبادئ. وقد بُين أعلاه دوره البطولي في هذه المجالات استناداً إلى مصادر موثوقة وسرد موثق.