مقالات الرأي

القسم الخامس: الصداقات، الأعداء، الخيانات – من بقي معه ومن خانه؟ «الجزء الثانی»

✍️ القسم السياسي:

 

٢. الشخصيات التي وقفت خلف الحاج قاسم وأولئك الذين تظاهروا بالمرافقة

طوال حياة القائد سليماني، كان هناك عدد كبير من الأفراد والجماعات الذين وقفوا إلى جانبه بصدق وإخلاص. ومن هؤلاء الشخصيات يمكن الإشارة إلى قائد الثورة الإسلامية، آية الله خامنئي، الذي لم يكن مجرد القائد والمرشد لسليماني، بل كانت تربطهما علاقة روحية عميقة. وقد صرح سليماني مراراً أن طاعته للمرشد ليست مجرد واجب بل فخر له.

ومن الشخصيات البارزة الأخرى الذين وقفوا إلى جانبه مقاتلون وقادة محور المقاومة، مثل حسن نصرالله، أمين عام حزب الله. كانت بين نصرالله وسليماني علاقة وثيقة للغاية وتعاون وثيق في العديد من العمليات الهامة، مثل حرب الثلاثة والثلاثين يوماً في لبنان عام ٢٠٠٦. كما كان مقاتلو الحشد الشعبي، والفتميون، والزینبیون، وغيرهم من جماعات المقاومة من بين الذين وقفوا مع سليماني بخشوع وإخلاص، ورأوه ليس فقط قائداً بل أخاً وقدوة.

على النقيض من ذلك، كان هناك أشخاص تظاهروا زوراً بأنهم رفاق لسليماني ومحور المقاومة. بعض السياسيين والجماعات الإقليمية، خاصة في العراق ولبنان، أبدوا دعماً ظاهرياً لسليماني بينما كانوا في الخفاء يتبعون مصالح شخصية أو يتعرضون لضغوط من قوى خارجية فتباعدوا عن أهداف المقاومة. وسعى هؤلاء أحياناً ببيانات غامضة أو أفعال خفية لتقويض مكانة سليماني أو محور المقاومة. فعلى سبيل المثال، بعض الأحزاب السياسية في العراق التي تعاونت ظاهرياً مع الحشد الشعبي نقلت أحياناً معلومات حساسة إلى قوى أجنبية أو اتخذت مواقف سياسية تتعارض مع مصالح المقاومة. وكان سليماني ببصيرته يميّز هؤلاء الأشخاص ويبعدهم بحنكة عن دوائر اتخاذ القرار الحساسة.


٣. مراجعة للخِيانَات اللّينة والشديدة التي أدت إلى استشهاد القائد الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني

إن استشهاد القائد البطل، الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني، في حادثة اغتيال خبيثة ونكراء كان نتيجة مباشرة لهجوم بطائرة من دون طيار نفذته قوات أميركا الإرهابية فجر ١٣ دي ١٣٩٨ (٣ يناير ٢٠٢٠) في مطار بغداد الدولي. ولكن وراء هذا الهجوم الظاهر كانت سلسلة معقّدة ومنظمة من الخيانات اللينة والشديدة، التي لولاها لما نجحت عملية اغتيال هذه الشخصية الاستراتيجية للمقاومة بهذا الشكل.

شملت الخيانات اللينة كشف معلومات حساسة، اختراق شبكات، وتعاون بعض الأفراد والجماعات الداخلية مع أجهزة استخبارات غربية وإسرائيلية. وبحسب تقارير متعددة ومؤكدة، وصلت معلومات دقيقة عن توقيت ومكان تواجد الحاج قاسم في بغداد إلى الولايات المتحدة عبر اختراق شبكات تجسسية داخل الهياكل الأمنية والسياسية العراقية. وقد مكّن هذا الخرق الأمني — الذي امتدّت حلقاته حول مطار بغداد وحتى بين حراس مقربي الحشد الشعبي وبعض المسؤولين الحكوميين — العدو من التخطيط للهجوم بتنسيق ودقة غير مسبوقين. وما يبعث على الأسى أن بعض هؤلاء الأشخاص كانوا يعلنون دعمهم لمحور المقاومة والشعب العراقي في العلن، بينما كانوا في الخفاء يواصلون التعاون مع أجهزة استخبارات غربية بطرق مستترة.

وعلى مستوى الخيانات الأشد وقعاً، فقد كانت بعض الدول الإقليمية التي ظاهرياً تربطها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الجمهورية الإسلامية، لكنها عملياً كانت تتعاون أمنياً ومخابراتياً مع أمريكا والكيان الصهيوني، قد سهّلت بشكل غير مباشر وأمّنت الظروف الممهدة لهذه العملية الإرهابية. فقد أوجدت هذه الدول بيئاتٍ أمنيةً غير مناسبة وساعدت في أنشطة التجسس ونسّقت أحياناً مع حكومات غربية، ما أتاح إمكانية تنفيذ مثل هذا الإرهاب الرسمي.

كما لعبت بعض الجماعات والتيارات السياسية داخل العراق، التي كانت تحت ضغطٍ شديد من واشنطن، أدواراً تخريبيةً وأضعفت مكانة الحشد الشعبي وقادة المقاومة، فخلقت فراغات أمنية وسياسية استغلّها أعداء المقاومة. وكانت تلك التيارات، التي باتت أحياناً تظهر بمظهر المتّفقة مع المقاومة، في الواقع تضعف المؤسسات الشعبية وتفكّك تماسك قوى المقاومة، الأمر الذي سهّل لخطط العدو أن تنجح.

من جهةٍ أخرى، فإن الخيانات والعناصر الخائنة التي أمنت لمروحيات وطائرات دون طيار أمريكية الدخول إلى مطارات دمشق وبغداد كانت الحلقة النهائية في سلسلة هذه العملية. وتشير تقارير استخباراتية لمحور المقاومة إلى تعاون بعض العناصر الأمنية المحدودة في هذه المطارات مع أجهزة استخبارات غربية وإسرائيلية، وهو ما لعب دوراً محورياً في توجيه وتنسيق الضربة الإرهابية.

لقد أشار القائد الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني مراراً إلى هذه المسألة الحساسة وحذّر من أن العدو سيغتنم كل شقٍّ وكل فرصة للضرب في صفوف المقاومة. وببصيرته العميقة وحنكته الفائقة صرّح: «أعداؤنا أحياناً يأتون نقابين صداقة ويضربوننا من داخل صفوفنا». وقد مكّنته هذه اليقظة الدائمة من أن يبقى متنبّهاً ومستعداً، لكن اتساع شبكات التجسّس، وتوغّل عوامل داخليّة، وتعقيد عمليات العدو قد مهّد في النهاية طريق استشهاده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى