القسم السياسي

متى تكتمل رسالة الدم والبارود؟ (٢) من (٢)

✍️ مجاهد الصریمي صنعاء

إن الثقافة القرآنية التي قام عليها يمن الواحد والعشرين من أيلول؛ هي ثقافةُ حياة عزيزة وكريمة؛ لأنها تبني نفوس أصحابها بناءً شاملاً؛ بناءً ليس فيه مكان للإيمان الناقص، والتدين المغشوش؛ بناءً قواعده الراسخةُ في أعماق الوجود والوجدان الحر، الحافظةُ له من الاهتزاز أو التشقق فالانهيار؛ قائمةٌ على الحق والعدل والصدق والأمانة والإحسان والرحمة والتعاون والإيثار والمحبة والتواضع وكظم الغيض والعفو عند المقدرة، والقرب من الناس، وحمل همومهم وأحزانهم، والعمل على تعزيز قوتهم ووحدتهم وتآلف قلوبهم، فلا ألم يشعر به بعض هؤلاء الناس إلا وتألم لألمهم الجميع؛ نتيجة شدة التلاحم الذي يجعل من الأجساد المتفرقة والمتباعدة والمختلفة والمتعددة في الأعراق والأنساب والمناطق الجغرافية والمذاهب الدينية جسداً واحداً، ليس فيه مكان للراعي، ومكان للرعية، ولا يقبل العلو من رئيس على مرؤوس، أو طغيان مهاجر على أنصاري، أو غني على فقير، أو صاحب نفوذ وسطوة وسلطة وجاه على مواطن مسكين لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلة للدفاع عن حقه، وصون كرامته، وتأمين ما يتطلبه أمر حماية نفسه من الذل والانسحاق أمام الظالمين والمنحرفين المتجبرين، الفراعنة، الذين يخونون الله في عباده وبلاده.
هذه هي الثقافة القرآنية؛ هذا هو مشروع المسيرة؛ هذا هو المشروع الذي أسسه وبثه في الأجساد المستضعفة شهيد القرآن، الشهيد القائد (ر) وحفظه وحمل رايته سيد الثورة يحفظه الله، فكان روحاً في تلك الأجساد، وكياناً قام عليه وجودهم، وأصلاً انبنت عليه حركتهم؛ الحركة الجهادية المقاومة، الرافضة لكل ما يبيح العرض والأرض والنفس للمستكبرين الكبار والصغار، والساعية لإيجاد أمة قائمة بالقسط، فارضةً للعدل، ناصرةً للحق، مدافعة عن كل مظلوم، تقول بالمعروف، ولا تتقبل المنكر.
نعم؛ هي كل هذا وأكثر والذي فلق الصبح، شهادةً أُسأل عليها يوم الحشر، بين يدي الله. فإن وجدتم الواقع العملي يقول غير ذلك فاعلموا: أن الخلل في الحملة والأتباع، لا في الثقافة والمشروع.
لذلك قلنا بالأمس: إن الثقافة الفقهية التي وجدت نفسها خارج الزمن، وخارج المكان، فلا حاضر يسندها، ولا ماضي يشهد على عظيم أثرها؛ هي التي ادعت انتماءها لهذا المشروع، فلما تم لها الأمر باسمه؛ حافظت على قشوره، وقتلت مفاهيمه، وغيرت وبدلت في أفكاره ورؤاه.
ولكي نكون منصفين؛ فلم يكن للثقافة الفقهية فعل كل هذا، لولا وجود الجهلة، الخوارج، الذين يكفرون بالظن، ويقصون ويهمشون كل مجاهد حر، يتحرك وهو ذو خلق وبصيرة ودين، ويزن كل شيء بميزان الحق، ويحسب حساب وعد الله ووعيده، غايته رضى الله، وحركته مبنيةٌ على التقوى.
تخيلوا؛ لو أتيح لهذا المشروع الوصول لكل واقعنا: كيف كانت النتيجة ستظهر اليوم؟
قوة في الخارج، وتكامل ونمو وتلاحم في الداخل؛ شدة على العدو، ورحمة ولين على الشعب المناصر، والمجتمع الذي متى ما كسبناه؛ ظمنا لأنفسنا النصر الدائم، والعزة الأبدية.
لأن بجمهورك بشعبك، أيها الحامل للواء المقاومة والجهاد تكتمل رسالة الدم والبارود، فعد إلى المشروع، لتكون القلب في الشعب، فيصبح يدك وعينك ولسانك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى