القسم الخامس: الصداقات، الأعداء، الخيانات – من بقي معه ومن خانه؟ «الجزء الثالث»

القسم السياسي:
الشهادات والتقارير الاستخبارية التي تكشف الخيانات وراء استشهاد قائد المقاومة
وفقاً لمصادر استخبارية مطلعة في محور المقاومة، لم تكن عملية اغتيال الفريق قاسم سليماني ضربةً عسكريةً أمريكيةً عشوائية، بل نتيجة مشروع استخباري معقد ومخطط بدقة، استُخدمت فيه نقاط الضعف الناتجة عن خيانات داخلية في العراق وسوريا.
في العراق، أكد مسؤولون في الحشد الشعبي مراراً أن اختراقاً حصل في بعض الأجهزة الأمنية العراقية، ولا سيما في وحدات حماية وتنسيق مطار بغداد، ما سمح بتسرب معلومات حساسة عن زمان ومكان وجود الحاج قاسم إلى الأمريكيين. وقال أحد الشهود العيان، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه:
“كنا نعلم بوجود عيونٍ تجسسية حول الحاج قاسم، وأبلغنا القيادة بذلك عدة مرات، لكن مواجهة هذه الخيانات لم تكن سهلة بسبب تدخل أشخاص ذوي نفوذ.”
أما في سوريا، فلم تكن الخيانات ظاهرة للعيان، لكنها كانت فعّالة للغاية؛ إذ تشير التقارير المستقاة من داخل المؤسسات الأمنية السورية المنضوية ضمن صفوف المقاومة إلى أن بعض العناصر في مطار دمشق، وتحت ضغوط سياسية ودولية، سهّلوا بشكل غير مباشر مرور الطائرات المسيّرة الأمريكية للوصول إلى أهدافها دون عوائق.
ويرى محللو استخبارات محور المقاومة أن بعض التيارات السياسية داخل العراق، التي تمتلك نفوذاً رسمياً وشعبياً، خضعت لضغوط واشنطن وساهمت في إضعاف مكانة الحشد الشعبي وتقليص التنسيق الأمني مع إيران، ما مهّد الطريق لاختراقات العدو وعملائه.
وفي إحدى رسائله الخاصة لقادة الحشد الشعبي، حذّر الشهيد قاسم سليماني قائلاً:
“أعداؤنا لا يعتمدون فقط على الهجمات العسكرية، بل إن اختراقهم وصل إلى جدراننا. يجب أن نكون يقظين تجاه كل عمل مشبوه وخائن.”
ورغم تلك التحذيرات، فإن عمق الخيانة واتساع شبكة التجسس حالا دون منع استشهاده. إلا أن شهادته زادت شعلة المقاومة اشتعالاً، ورسّخت عزم المجاهدين على كشف الخونة ومواجهة كل من يهدد صفوف المقاومة.
روايات من بيت الشهيد القائد قاسم سليماني وأسرته والمقرّبين منه
على الرغم من أن الفريق الشهيد قاسم سليماني كان من أبرز القادة العسكريين في محور المقاومة، إلا أن وراء هذه الهيبة قائداً بسيطاً، متواضعاً، محباً لأسرته. حياته في منزله بمدينة كرمان كانت مثالاً للتقوى والزهد والابتعاد عن المظاهر الدنيوية.
تحدّث أفراد أسرته دوماً عن طيبته وتواضعه. زوجته الكريمة كانت تروي كيف أنه، رغم انشغاله ومسؤولياته الكبيرة، لم ينسَ يوماً أسرته. وكان يعتبر الأوقات التي يقضيها مع أطفاله أثمن لحظات حياته.
وقد تجلّت إنسانيته أيضاً في كلمات ابنته الكبرى زينب سليماني، التي أصبحت بعد استشهاده من أبرز الوجوه الثقافية والسياسية للمقاومة. كانت تقول دائماً إن والدها علّمهم أن يعيشوا وفق القيم الإسلامية والثورية، وأن لا يسمحوا للسلطة أو الشهرة بأن تُبعدهم عن طريق الحق.
كان منزل سليماني يخلو من البذخ والمظاهر؛ ملابس بسيطة، طعام متواضع، واحترام للتقاليد الدينية والأسرية. وكانت هذه البساطة تنعكس في سلوكه مع الجميع، من الجنود إلى القادة.
ومن أبرز المقربين منه كان الشهيد أبو مهدي المهندس ورفاق دربه من قادة المقاومة الذين شاركوه سنوات النضال ضد الإرهاب في العراق وسوريا. كان القائد سليماني في جلساته الخاصة معهم يناقش الجوانب العسكرية والروحية والسياسية للمقاومة، مؤكداً على الوحدة والثبات في وجه العدو.
وبعد استشهاده في الغارة الأمريكية ببغداد، حملت أسرته والمقربون منه مسؤولية ثقيلة، أدّوها بجدارة. فقد واصلت زينب سليماني طريق والدها بحضور قوي على الساحة الدولية، مدافعةً عن نهج المقاومة في مواجهة الغطرسة الأمريكية والصهيونية.
نهضت أسرته ورفاقه من رماد شهادته كطائر الفينيق، وأوقدوا شعلةً جديدة تُضيء طريق الأجيال المقبلة من المقاومين ضد الظلم والاستكبار، لتبقى روحه وإرثه منارةً للأحرار والمستضعفين في كل مكان.