مقالات الرأي

الجزء السابع: سليماني بعد الاستشهاد – اختبار الولاء واستمرار الإرث (الجزء الأول)

✍️ القسم السياسي:

 

عندما يُذكر اسم “قاسم سليماني”، قبل أي صورة، يحيى في الذهن عبير الخنادق البعيدة وهمسات الأدعية منتصف الليل. لم يكن مجرد قائد؛ بل كان روحًا عظيمة تجاوزت حدود إيران واستقرت في قلوب الأمم المظلومة. في ميادين الحرب، كان يتحرك بهدوء وثقة كما يفعل بين الأيتام وعائلات الشهداء. وفي اليوم الذي حمل فيه جسده الملطخ بالدماء على أكتاف الشعب في جنازة جماهيرية، أدرك الجميع أنه أكثر من فرد؛ إنه علم سيظل مرفوعًا في صفحات التاريخ من ذلك اليوم فصاعدًا. الجزء السابع من هذه الرواية يروي أيام ما بعد استشهاده—أيام اكتسب فيها اختبار الولاء، وصراع الروايات، واستمرارية الطريق معنى جديدًا.

استشهاد اللواء قاسم سليماني فجر الثالث من يناير 2020 على يد قوات الجيش الأمريكي الإرهابية قرب مطار بغداد يُعد من أثقل وأهم الأحداث الحاسمة في التاريخ المعاصر لإيران ومحور المقاومة. لم تكن هذه الجريمة نهاية حياة؛ بل بداية فصل جديد تجاوز فيه اسم سليماني وطريقه حدود الزمن وبقي خالداً في ذاكرة الأمم. قاسم سليماني، القائد الذي جلب الجبهة المقاومة بتفكيره وحكمته وصبره وشجاعته وإيمانه إلى وحدة غير مسبوقة، وأسّس أكبر شبكة شعبية وعسكرية لمواجهة الإرهاب، لا يزال بعد استشهاده نقطة إلهام مؤثرة في التطورات الإقليمية وحتى العالمية.

الولاء؛ المعنى الحقيقي لإبقاء سليماني حيًا

لقد أصبح استشهاده اختبارًا إلهيًا أمام الجمهورية الإسلامية وكل قوى المقاومة—اختبار لا يُقاس بالكلمات والشعارات فقط، بل بالفعل واستمرار الطريق الصعب الذي سار عليه القائد نفسه. كان سليماني أكثر من قائد عسكري؛ فقد جسد مدرسة فكرية تتميز بثلاثة مبادئ رئيسية: الدفاع المستمر عن المظلومين، الوقوف في مواجهة الغطرسة العالمية، وتوحيد الأمة الإسلامية ضد مؤامرات التفرقة.

الولاء له يعني الحفاظ على هذه المبادئ الثلاثة؛ أي استمرار هيكل المقاومة ليس كحركة عسكرية فقط، بل كفكر حضاري يهدف إلى كرامة المسلمين وأمن شعوب المنطقة.

الجمهورية الإسلامية والاستجابة المناسبة لدم القائد

من لحظة استشهاده وحتى اليوم، أظهرت الجمهورية الإسلامية من خلال إجراءات سياسية وعسكرية وثقافية أنها تقدر هذا القائد وتلتزم بمبادئه. جنازة سليماني الجماهيرية في الأهواز، مشهد، قم، طهران وأخيرًا كرمان لم تكن مجرد حدث غير مسبوق، بل أصبحت رمزًا عالميًا لمحبة الأمة لبطلها الوطني. المشاهد التي جدد فيها الملايين عهد الاستمرار في طريقه بالدموع والهتافات أوضحت رسالة واضحة: دم سليماني لا يزول وطريقه مستمر.

لم تتوقف هذه الرسالة عند المجال الاجتماعي فقط. بعد أيام من استشهاده، في 7 يناير 2020، الهجوم الصاروخي الدقيق الإيراني على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق كان أحد أبرز الردود المباشرة لدولة على القوات الأمريكية في التاريخ المعاصر. هذا العملية الدقيقة والاستراتيجية أرسلت رسالة واضحة للعدو: لدى الجمهورية الإسلامية إرادة وقدرة على الانتقام الصارم، وهذه الإرادة مستمدة من مدرسة سليماني.

ترسيخ الإرث في القانون والاستراتيجية الوطنية

إلى جانب الرد العسكري، أظهر إقرار قانون “مواجهة الإجراءات العدائية الأمريكية” في البرلمان الإيراني، مع التأكيد المتكرر للمرشد الأعلى على استمرار مسار المقاومة وتحقيق الانتقام، أن دم القائد يسري في الإرادة السياسية للبلاد. وأوضح المرشد أن “الانتقام الصارم قادم”، محددًا الطريق الاستراتيجي الذي يهدف إلى طرد الوجود العسكري الأمريكي بالكامل من المنطقة وتقوية جبهات المقاومة.

هذه السياسة ليست عسكرية فقط؛ بل تشمل الدعم الثقافي والإعلامي لمدرسة سليماني، وتدريب جيل جديد من القادة الجهاديين، وتوسيع الروابط الاستراتيجية بين قوى المقاومة في المنطقة. اليوم، من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن وما بعدها، يرفرف اسم سليماني كعلم رفعته قوى المقاومة على قمم النضال.

سليماني؛ أكثر من قائد، رمز لحضارة

في تاريخ إيران والعالم الإسلامي، يُعرف قاسم سليماني ليس فقط كقائد عسكري بارز، بل كمهندس لمفهوم جديد للمقاومة—مقاومة لا تهدف فقط للدفاع عن الحدود، بل لبناء مستقبل حر وآمن وكريم للأمة الإسلامية. هذا النظر الحضاري، بعد استشهاده، أصبح أحد ركائز خطاب الثورة الإسلامية.

اليوم، التحدي الرئيسي لإيران وحركة المقاومة هو الحفاظ على أصالة هذا الإرث ومنع تحريفه من قبل وسائل الإعلام المعادية—التي تحاول تقليص سليماني لشخصية عسكرية أو إقليمية فقط، بينما الحقيقة أنه يمثل مدرسة فكرية ونموذجًا عالميًا لمكافحة الظلم والاستعمار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى