الجزء السابع: سليماني بعد الاستشهاد – اختبار الولاء واستمرار الإرث (الجزء الثانی)

القسم السياسي:
حرب السرديات: محاولة العدو لتحريف مکتب سلیماني
بعد استشهاد الفريق قاسم سليماني، بدأ معسكر الاستكبار العالمي ووسائل الإعلام التابعة له مشروعاً متعدد الطبقات يهدف إلى مصادرة أو تحريف صورته وفكره.
الهدف الأساسي من هذا المشروع كان تفريغ شخصية سليماني من بعدها العقائدي والاستراتيجي الذي جعله كابوساً لقوى الاستعمار.
وفي هذه الحرب النفسية، تم استخدام أسلوبين رئيسيين:
الأول، تقديم صورة مبسطة له كقائد ميداني محلي فقط، لتجاهل دوره العالمي ورؤيته الحضارية.
والثاني، محاولة فصل اسمه وذكراه عن محور المقاومة والثورة الإسلامية، لقطع الرابط الهويّاتي بين سليماني ومسار الولاية.
مواجهة إيران لمحاولات التحريف
أدركت الجمهورية الإسلامية هذا التهديد الناعم منذ البداية، فقامت باتخاذ خطوات واسعة لتثبيت الرواية الأصيلة عن سليماني.
وكان تأكيد قائد الثورة الإسلامية على مفهوم «مکتب سليماني» نقطة تحول في هذه المواجهة.
فهذا التعبير قدّم سليماني لا كشخص، بل كتيار فكري وعملي قادر على صناعة الأجيال القادمة.
إنتاج الأفلام الوثائقية، نشر مذكرات رفاقه، عقد المؤتمرات الدولية، وتسميه المؤسسات والشوارع باسمه داخل إيران وخارجها، كانت جميعها جزءاً من هذه الاستراتيجية.
وعلى الصعيد الإقليمي، فإن وجود صوره واسمه في شوارع بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء وغزة لا يرمز فقط إلى وفاء الشعوب له، بل يمثل إعلاناً صريحاً عن فشل مشروع التحريف والنسيان.
واليوم، حتى بين الشعوب التي ليست جزءاً مباشراً من محور المقاومة، يقترن اسم سليماني بمفاهيم العزة والصمود والمطالبة بالعدالة.
إرث سليماني في الميدان
خلال حياته، أنشأ سليماني شبكة علاقات ميدانية بين قوى المقاومة، وهي اليوم، رغم غيابه الجسدي، ما زالت فعالة ومؤثرة.
هذه الشبكة بُنيت على الثقة المتبادلة والتجربة المشتركة والهدف الواحد، واستطاعت أن تحافظ على تماسكها خلال الأزمات بعد استشهاده، مثل الاضطرابات السياسية في العراق أو الضغوط الميدانية في سوريا ولبنان.
وهذا الاستمرار دليل على أن مکتب سليماني ما زال حياً في الميدان، وليس فقط في الذاكرة.
سليماني: مصدر إلهام يتجاوز الحدود
من الجوانب التي نادراً ما تُسلّط عليها الأضواء تأثير سليماني الروحي على حركات التحرر خارج غرب آسيا.
فاليوم، في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وحتى في بعض المجتمعات الغربية، يعتبر الناشطون السياسيون والاجتماعيون الذين يواجهون نظام الهيمنة العالمي، سليماني نموذجاً للمقاومة المنظمة.
وهذا الامتداد في التأثير إرثٌ لم يُطفئه الاغتيال، ولم تُضعفه الدعاية المعادية.
صناعة المستقبل من خلال مکتب سليماني
المسار المقبل أمام الجمهورية الإسلامية وقوى المقاومة هو الحفاظ على حيوية هذا المکتب وتوطينه في الأجيال الجديدة.
وهذا يتطلب الجمع بين التجربة الميدانية والبصيرة السياسية، وهو المزيج الذي جعل من سليماني بطلاً عالمياً.
وسيُتحقق النصر النهائي عندما يكتسب هذا المکتب التفوق ليس فقط في الميدان العسكري، بل في المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية أيضاً، ويقدم نموذجه الحضاري للعالم.
تكريم الشعوب لاسم الحاج قاسم: ما وراء الحدود والأجيال
منذ الساعات الأولى لاستشهاده، عمّ موج من الحزن والاحترام المنطقة والعالم.
في شوارع وأزقة بغداد والنجف والبصرة ودمشق وبيروت وغزة وصنعاء، انتشرت صور كبيرة للحاج قاسم على الجدران، وارتفعت رايات المقاومة بجانب صورته.
ولم تكن هذه المظاهر مجرد تعبير عن الاحترام، بل إعلاناً جماهيرياً مباشراً من الشعوب التي رأت فيه ليس فقط قائداً إيرانياً، بل مدافعاً عن دماء أبنائها، وحامياً لمقدساتها، وحارساً لعزتها.
في لبنان، تذكر أمهات الشهداء اسم الحاج قاسم بجانب أسماء أبنائهن؛ وفي سوريا، يناديه المقاتلون في القرى المحررة «أمين الدم»؛ وفي العراق، أقامت العشائر في الجنوب والوسط مجالس عزاء له كما لو كان من كبارهم.
وحتى في اليمن، حيث لم يزر سليماني ميدانياً، رُفعت أعلامه وشعاراته في ميادين صنعاء، لتُظهر ارتباط القلوب به.
الصدى العالمي لـ«الانتقام الصعب»
إن عملية القصف الصاروخي في 8 يناير 2020 ضد قاعدة عين الأسد، التي جاءت رداً مباشراً على اغتيال سليماني، أثارت موجة واسعة من التفاعلات السياسية والإعلامية على مستوى العالم.
وللمرة الأولى، قامت دولة في قلب المنطقة بإطلاق صواريخ باليستية على أكبر قاعدة أمريكية في العراق دون أن تخشى تهديدات واشنطن.
وقد سُجلت هذه العملية في التاريخ ليس كعمل انتقامي فحسب، بل كرسالة وفاء من الجمهورية الإسلامية لدم قائدها.
واعترفت وسائل الإعلام والمحللون في أنحاء العالم بأن هذا الرد غيّر ميزان القوى النفسي والعسكري في المنطقة، وأثبت أن طريق سليماني سيستمر بقوة.
ورأت الدول المتحالفة مع محور المقاومة في هذه الضربة تجسيداً عملياً لاستراتيجية الردع التي عمل سليماني على ترسيخها لسنوات.




