مقالات الرأي

الجزء السابع: سليماني بعد الاستشهاد – اختبار الولاء واستمرار الإرث (الجزء الثالث)

✍️ القسم السياسي:

 

بقاء اسم سليماني في مستقبل المقاومة

اليوم، تجاوز اسم «قاسم سليماني» حدود إيران، وأصبح رايةً مشتركةً بين الشعوب والحركات التحررية.
هذا الاسمُ أصبح رمزاً للوحدة في مواجهة المحتلّين والمستعمرين، وقد وجد له مكاناً في ذاكرة الشعوب بحيث إن مرور الزمن لا يُضعفه، بل يزيده عمقاً واتساعاً.
فعندما يسمع الجيلُ الشاب في المنطقة اسمَه، تتكوَّن في أذهانهم صورة المقاومة، والإيمان، والنصر.


التحريفات الإعلامية والسياسية بعد الشهادة

أثارت شهادةُ القائد سليماني موجةً من التحريفات الإعلامية والسياسية من قِبَل أعداء إيران ومحور المقاومة.
وقد سعت هذه التحريفات إلى تشويه صورة سليماني، وتقليل تأثيره في الرأي العام، وتبرير العمل غير القانوني الذي قامت به الولايات المتحدة في اغتياله.
حاولت وسائل الإعلام الغربية وبعض الحكومات المعادية – وخاصة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني – أن تُقدّمه بوصفه «إرهابياً»، بينما الوثائق والأدلة تُظهر بوضوح دوره الفريد في مكافحة الإرهاب والدفاع عن المظلومين.


الجهود الإعلامية لتشويه صورة سليماني

مباشرةً بعد استشهاده، قامت وسائلُ الإعلام الغربية مثل CNN، وBBC، وFox News، عبر نشر تقارير أحادية الجانب، بمحاولة تقديم صورة سلبية عنه.
فعلى سبيل المثال، ادّعوا أن سليماني مسؤول عن هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق، من دون أن يُشيروا إلى دوره الحاسم في هزيمة تنظيم داعش وإنقاذ شعوب العراق وسوريا من هذا التنظيم الإرهابي.

أما دونالد ترامب، رئيسُ الولايات المتحدة آنذاك، فقد زعم – من دون تقديم أي دليل – أن سليماني كان يُخطّط لهجمات ضد المصالح الأمريكية، وهو ادّعاءٌ واجه تشكيكاً حتى داخل الولايات المتحدة.
فعلى سبيل المثال، أظهرت تقارير الكونغرس الأمريكي لعام 2020 أنه لا توجد أي أدلة محدّدة لتبرير اغتيال سليماني.

كما سعى الكيان الصهيوني، من خلال وسائل إعلامه التابعة مثل جيروزالِم بوست وهآرتس، إلى تصوير سليماني على أنه تهديدٌ لأمن المنطقة.
وقد ركّزت هذه الوسائل على دور إيران الإقليمي، محاوِلةً تصوير دعم سليماني لجماعات المقاومة مثل حزب الله وحماس كأنه «عمل يزعزع الاستقرار».
غير أن سليماني، بصفته استراتيجياً محنّكاً، قام بتعزيز محور المقاومة ومنع توسّع النفوذ الصهيوني في المنطقة.


المقاومة في وجه التحريفات

في مقابل هذه التحريفات، سعت وسائل إعلام المقاومة والوسائل المستقلة في العالم إلى إظهار الحقيقة حول دور سليماني.
فقد قامت شبكاتٌ إخبارية مثل المنار، وبرس تي‌في، والعالم، من خلال تقارير وثائقية، بتسليط الضوء على دور سليماني في محاربة داعش ودعم الشعوب المظلومة.

فعلى سبيل المثال، أظهر الفيلم الوثائقي «القائد بلا حدود»، الذي أُنتج في إيران، من خلال مقابلات مع مسؤولين عراقيين وسوريين، كيف كان سليماني يلعب دوراً محورياً في تحرير مدنٍ مثل الموصل وحلب.

إضافةً إلى ذلك، ساهم نشرُ كتبٍ مثل «أنا قاسم سليماني» و**«حاج قاسم»، وكذلك إنتاج الأفلام والمسلسلات عن حياته، في توضيح شخصيته وأعماله.
كما أدّت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في مواجهة التحريفات.
فقد شارك المستخدمون من إيران والعراق ولبنان، بل ومن غير المسلمين حول العالم، في نشر منشورات ووسوم مثل #حاج_قاسم و
#SoleimaniLegacy** للدفاع عن الحقيقة.


التحديات المستمرة

رغم هذه الجهود، لا تزال التحريفات الإعلامية مستمرة.
فوسائل الإعلام الغربية، بفضل ميزانياتها الضخمة ونفوذها العالمي، تسعى إلى فرض روايتها على الرأي العام.
وتُعدّ هذه القضية تحدّياً كبيراً في البلدان التي يكون فيها الوصول إلى الإعلام المستقل محدوداً.
ومع ذلك، فإن الشعبية المتزايدة لسليماني بين شعوب المنطقة والعالم تُظهر فشل هذه التحريفات نسبياً.
ولا تزال صوره ورسائله تُرى في شوارع بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا بحد ذاته دليلٌ على عجز الأعداء عن تشويه صورته.


خوف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني

كانت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يعتقدان أنهما باغتيال سليماني سيتمكّنان من إضعاف محور المقاومة، لكنهما واجها بعد استشهاده واقعاً مغايراً تماماً.
لقد أظهرت مواكب التشييع المليونية في إيران والعراق، والشعارات المناهضة لأمريكا والصهيونية، وتزايد عمليات المقاومة ضد مصالح هذين الكيانين، أن سليماني، حتى بعد استشهاده، ما زال يشكّل تهديداً لهما.

فعلى سبيل المثال، كانت الضربة الصاروخية الإيرانية على قاعدة عين الأسد في العراق، التي سبّبت أضراراً كبيرة بالبنى التحتية العسكرية الأمريكية، رسالةً واضحة بأن اغتيال سليماني لم يوقف المقاومة، بل قوّاها.

وقد اعترف حتى المحلّلون الغربيون بذلك.
فقد أشارت مقالة في مجلة فورين بوليسي عام 2020 إلى أن اغتيال سليماني، بدلاً من أن يُضعف إيران، زاد من نفوذها في المنطقة.
كما بيّنت تقارير مراكز الدراسات الأمريكية مثل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) أن استشهاد سليماني أدّى إلى تعزيز روح المقاومة وزيادة الكراهية تجاه أمريكا في المنطقة.

أما الكيان الصهيوني، الذي كان يرى في سليماني تهديداً استراتيجياً له، فقد واجه بعد استشهاده قلقاً متزايداً من انتشار فكر المقاومة.
وقد أشارت التقارير الأمنية الإسرائيلية في عامَي 2020 و2021 مراراً إلى «شبح سليماني»، محذّرةً من أن إرثه ما زال حاضراً في عمليات حزب الله وحماس وسائر حركات المقاومة.
فعلى سبيل المثال، إن تزايد الهجمات الصاروخية من غزة على الأراضي المحتلة، وعمليات حزب الله على الحدود اللبنانية، دلّ على استمرار تأثير استراتيجيات سليماني.


سليماني كرمز حضاري لبناء المستقبل

كان قائد القلوب الشهيد قاسم سليماني أكثر من مجرّد قائد عسكري؛ فقد كان رمزاً لحضارة جديدة وبنّاءة للمستقبل في العالم الإسلامي، بل وخارجه.
لقد جمع بين الإيمان العميق، والشجاعة الفريدة، والاستراتيجية الذكية، والإخلاص التام، فصنع نموذجاً يُلهِم ليس فقط الجيل الحاضر بل الأجيال القادمة أيضاً.
وقد أثبتت هذه الشخصية الاستثنائية أنه يمكن، بالاعتماد على القيم الإنسانية والإسلامية، الوقوف في وجه الظلم والاستكبار، وتمهيد الطريق لبناء حضارة جديدة قائمة على العدالة والمقاومة والحرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى