مقالات الرأي

الثورة الرقمية

✍️الدكتور سيد حميد رضا قريشي – رئيس التحرير

 

لقد أحدثت الثورة الصناعية تحولًا عميقًا في العالم، وقادت الحياة التقليدية نحو تحسين الجودة. ومن خلال دراسة مسار التحديث، نصل إلى أن الثورة الصناعية الأولى بدأت بولادة التكنولوجيا الميكانيكية والإلكترونية التناظرية، ثم تطورت لاحقًا لتشكّل الثورة الصناعية الثانية.

ومع التحول إلى التكنولوجيا الرقمية، ظهرت الثورة الصناعية الثالثة في نهاية القرن العشرين (حوالي عام 1980). وقد تغلغلت هذه التكنولوجيا بسرعة في جميع جوانب الحياة، مؤثرةً في مجالات الاتصال والاقتصاد والتجارة والسياسة والثقافة وحتى المجال العسكري.

ولفهم هذا الموضوع، من المفيد مراجعة بعض الإحصاءات:

  • في عام 1995 أصبح الإنترنت متاحًا على نطاق واسع.

  • في عام 1999 أصبحت جميع الدول تقريبًا قادرة على الاتصال بالإنترنت.

  • في عام 2005 استخدم الإنترنت مليار شخص.

  • وبنهاية عام 2005 بلغ عدد مستخدمي الهواتف المحمولة ثلاثة مليارات.

  • في عام 2010 كان هناك ملياران من المستخدمين للإنترنت والشبكات الاجتماعية.

  • وفي عام 2012 وصل عدد مستخدمي فيسبوك وحده إلى مليار شخص.

أصبح الحديث عن الثورة الصناعية الرابعة، التي تتمثل في التحول الرقمي وتطور الذكاء الاصطناعي من آلةٍ للتعلّم إلى مولّدٍ ومنتِجٍ، أكثر بروزًا منذ عام 2023.

يتعين على المؤسسات والشركات الكبرى إعادة صياغة استراتيجياتها التجارية وتقنيات المعلومات استعدادًا لقبول التحولات الرقمية. أما ثورة الذكاء الاصطناعي التي بدأت عام 2024، فيُتوقّع أن تؤدي دورًا محوريًا في حياة الإنسان خلال السنوات الثلاث القادمة، مع ضرورة وضع القوانين والثقافة اللازمة لتقليل المخاطر المحتملة قبل وقوعها.

وقد وصف بيل غيتس، مؤسس مايكروسوفت، الذكاء الاصطناعي بأنه تكنولوجيا ثورية ستُسرّع من وتيرة الاكتشافات العلمية وتحسّن حياة البشر خلال العامين المقبلين.

على سبيل المثال، في مجال التعليم، ينبغي توطين أنظمة مثل Mathia وKhannigo للاستفادة منها في تطوير التعليم. ومن أبرز مظاهر الثورة الصناعية الرابعة القائمة على الذكاء الاصطناعي النقل الذاتي القيادة، الذي سيحمل مزايا وتحديات في آنٍ واحد.

بصورة عامة، يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات، والاستخدام الأمثل للموارد، وتقديم رؤية أوضح لمستقبل التجارة. لكنه في الوقت نفسه قد يؤدي إلى اختفاء الوظائف المتكررة وذات المهارات المنخفضة. والحل يكمن في تدريب الكفاءات البشرية المتخصصة لملء هذا الفراغ.

ومن الجوانب الإيجابية لهذه الظاهرة زيادة الروابط الاجتماعية، وتسهيل التواصل، وتوسيع نطاق الوصول إلى المعلومات. أما الجوانب السلبية فتشمل تضخّم المعلومات، وظهور المتصيّدين الإلكترونيين، وتراجع صناعة الموسيقى، والعزلة الاجتماعية، وتشبع وسائل الإعلام.


فهم الذكاء الاصطناعي (AI)

يشير الذكاء الاصطناعي (AI) إلى فرعٍ من علوم الحاسوب يهدف إلى تصميم أنظمة قادرة على أداء مهام تتطلب ذكاءً بشريًا، مثل الإدراك، والمنطق، والتعلّم، وحل المشكلات. وتستخدم هذه الأنظمة خوارزميات معقدة ونماذج رياضية لمعالجة البيانات واتخاذ القرارات الإستراتيجية.

يُعد التعلّم الآلي (Machine Learning) أحد أكثر مجالات الذكاء الاصطناعي استخدامًا، حيث يمكّن الحواسيب من التعلّم من البيانات والتنبؤ بالنتائج دون برمجة مسبقة. وتشمل المجالات الأخرى الشبكات العصبية العميقة، ومعالجة اللغة الطبيعية، والبيانات الضخمة.

لم يؤدِّ الذكاء الاصطناعي إلى تطوير تقنيات جديدة فحسب، بل أحدث أيضًا تغييرات جوهرية في الصناعات وحياة الإنسان.

  • في الرعاية الصحية: يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على تشخيص الأمراض بدقة أكبر. تُستخدم أنظمة التعلّم الآلي لاكتشاف الأنماط الخفية في البيانات الطبية، مما يتيح الكشف المبكر عن الأمراض والوقاية منها. كما تم تحسين إدارة المستشفيات باستخدام الروبوتات والأنظمة الذكية.

  • في الصناعة: يمكن للروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تنفيذ عمليات التفتيش والتجميع والتعبئة تلقائيًا، مما يزيد من سرعة الإنتاج ويقلل من الأخطاء البشرية. كما تساعد التنبؤات المبنية على AI في إدارة المخزون وتقليل التكاليف.

  • في التمويل: يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ باتجاهات الأسواق. ويساعد المؤسسات المالية في إدارة المخاطر، وتخطيط الاستثمارات، والكشف عن عمليات الاحتيال والمعاملات المشبوهة.

  • في الزراعة: يستخدم الذكاء الاصطناعي بيانات التربة والنباتات والطقس لمساعدة المزارعين على اتخاذ قرارات أفضل وإدارة الموارد بكفاءة أعلى. كما تُستخدم الطائرات بدون طيار والروبوتات الزراعية لتحسين عمليات الحصاد والمراقبة.

  • في النقل: يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين أنظمة المرور ودعم القيادة الذاتية، مما يقلل الازدحام واستهلاك الوقود والتلوث. ويمكن لهذه الأنظمة التنبؤ بالطرق المثلى وإدارة حركة المرور بذكاء.

ومع ذلك، لا يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحلّ محل بعض المهن القائمة على الإبداع والعلاقات الإنسانية، مثل الفنانين، والمستشارين النفسيين، والأطباء، والممرضين.

وبالتالي، يُتوقّع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي، بقدراته الواسعة، تحولات كبرى في الحياة الحديثة، ويرتقي بجودة حياة الإنسان. ومن هذا المنطلق، تسعى هذه العددية الخاصة إلى دراسة مختلف أبعاد هذه التكنولوجيا الناشئة وتأثيراتها المستقبلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى