أخبار إيران

الإعلانات الجمالية، السبب الخفي وراء قلق واكتئاب المراهقين

✍️زهرا مولائی

 

في عالم اليوم، لم تعد الجمال صفة طبيعية فحسب، بل أصبح سلعة تجارية وأداة قوية للتأثير على عقول البشر. فوسائل التواصل الاجتماعي، من خلال إعلاناتها الواسعة والمغرية، ترسم في أذهان ملايين المراهقين صورة غير واقعية للجمال. هذه الصور تبدو جميلة وغير مؤذية في ظاهرها، لكنها في عمقها تزرع بذور القلق، وعدم الرضا عن الجسد، وحتى الاكتئاب.

قوة الصورة وأزمة الهوية

تعتمد الإعلانات الجمالية على الصور والفيديوهات التي غالباً ما تُعدَّل بالفلاتر وأدوات التحرير، لتُظهر معايير جمال لا يمكن بلوغها. المراهق الذي يبحث عن هويته يقارن نفسه بهذه الصور، فيشعر أنه «غير كافٍ». هذا الشعور بالنقص هو أحد الأسباب الرئيسة لظهور القلق الاجتماعي والاكتئاب بين الشباب.
بدلاً من أن يبحث المراهق عن الجمال في تفرّده، يسعى لتقليد نماذج لا وجود حقيقي لها. هذه المقارنات المستمرة تخلق حرباً صامتة في داخله؛ حرباً بين «الذات الحقيقية» و«الذات المثالية المصطنعة».

الضغط الخفي والجراح النفسية

من أخطر آثار الإعلانات الجمالية، خلق ضغط نفسي مستمر. إذ توحي الرسائل الخفية لهذه الإعلانات بأن الإنسان لا يُحب ولا يُقبل إلا إذا كان ذا وجه خالٍ من العيوب أو جسدٍ بمواصفات معينة. فيشعر المراهقون الذين لا تنطبق عليهم هذه المعايير بالرفض وانعدام القيمة.
ومع مرور الوقت، يؤدي ذلك إلى انخفاض تقدير الذات وظهور أعراض الاكتئاب. فالمراهق الذي دخل عالم التواصل الاجتماعي بحماس، يجد نفسه في عالمٍ من المقارنة وعدم الرضا.

دور الإعلام وخوارزميات الفضاء الرقمي

صُممت خوارزميات الشبكات الاجتماعية لتكرار عرض المحتوى المشابه، مما يُدخل المراهق في دائرة لا تنتهي من المقارنات. فكل مرة يواجه صورة أكثر كمالاً وأقل واقعية، فيزداد شعوره بالدونية.
إنها عملية “غسل دماغ” بطيئة؛ تحدد وسائل الإعلام معايير الجمال، فيؤمن بها المراهقون، وفي النهاية تجني صناعة الجمال الأرباح من تلك القناعات.

الجمال أم الخداع؟

الواقع أن هدف كثير من إعلانات الجمال ليس تعزيز الثقة بالنفس، بل البيع. فهي تخلق شعوراً بعدم الرضا كي تبيع منتجات التجميل، والعمليات الجراحية، وخدمات الفلاتر. وفي خضم هذا كله، تُضحَّى بالصحة النفسية للمراهقين من أجل الربح الاقتصادي.
لم يعد الجمال أمراً طبيعياً داخلياً، بل أصبح «واجباً إلزامياً» للتشبه بصورٍ لم تكن يوماً حقيقية.

طريق الخلاص

لمواجهة هذه الأزمة الخفية، لا بد من تعليم الوعي الإعلامي منذ سنٍّ مبكرة. يجب أن يتعلم المراهقون أن كثيراً مما يشاهدونه في الإعلانات الجمالية مُصطنع. كما ينبغي على الأسر والمعلمين التحدث عن التأثيرات النفسية لهذه الإعلانات، وتعليم الأبناء أن قيمة الإنسان في فكره وأخلاقه وسلوكه، لا في وجهٍ مفلتر.
كذلك على وسائل الإعلام أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية، فتمتنع عن الترويج لمعايير الجمال الزائفة، وتدعم بدلاً من ذلك التنوع والأصالة وتقبّل الذات.

الخاتمة

تبدو إعلانات الجمال في الفضاء الرقمي غير مؤذية، لكنها في الحقيقة أحد الأسباب الخفية وراء القلق والاكتئاب لدى المراهقين. فكل صورة وفيديو وفِلتر يُنشر اليوم، يشكل غدَ عقول وأرواح الجيل القادم.
الخلاص من هذه الدائرة لا يكون إلا بالوعي، والحوار، والعودة إلى القيم الإنسانية التي ترى الجمال في الصدق، والصحة، والسكينة — لا في وجهٍ صنعه برنامج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى