التنمیة، الجُرم والعقاب
تُحلّل هذه المقالة العوامل المؤثرة في عدم التجانس في معدلات الجريمة بين مختلف الدول، مع التركيز على معدلات الجريمة المُبلّغ عنها ومستوى التنمية.

الدكتور غلامحسين بياباني؛ أمين جمعية تنمية دراسات العلوم والابتكار التحقيقي في إيران
يدرس هذا البحث سلوك معدلات الإبلاغ من خلال مقارنة بيانات المسوح الخاصة بالضحايا مع السجلات الرسمية. ترتبط معدلات الجريمة المُبلّغ عنها ارتباطًا وثيقًا بمستوى التنمية؛ فالدول الأغنى تُبلّغ عن نسبة أكبر من الجرائم.
في هذا المقال نُبيّن أن العلاقة الإيجابية بين التنمية والجريمة، التي وُجدت في الدراسات السابقة، ناتجة عن هذا الارتباط. وعندما تُؤخذ أخطاء الإبلاغ في الاعتبار، لا يكون للتنمية أي تأثير على معدلات الجريمة. كما أنّ خفض عدم المساواة وزيادة النمو الاقتصادي والتعليم مرتبط بانخفاض معدلات الجريمة.
تختلف معدلات الجريمة بدرجة كبيرة بين الدول، ويبلغ مدى الاختلاف بين الدول عدة أضعاف الاختلاف داخل الدولة نفسها عبر الزمن.
فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد جرائم القتل لكل 100,000 نسمة (وهو ربما أكثر إحصاء شيوعًا لقياس الجريمة) 17 في المكسيك و0.6 في اليابان. وفي الوقت نفسه، نادرًا ما تتجاوز التغيرات في معدلات القتل داخل دولة ما، حتى خلال فترات زمنية طويلة جدًا، نسبة 20%.
ويمكن تقديم العديد من التفسيرات لهذه الاختلافات بين الدول، بدءًا من التعريفات المختلفة للجرائم ومعدلات الإبلاغ المتباينة (أي النسبة المئوية للجرائم التي تُبلّغ للشرطة) وصولًا إلى الاختلافات الحقيقية في وقوع الجرائم (بسبب الظروف الطبيعية، ومستوى التنمية الاقتصادية، والثقافة، والمنطقة).
يهدف هذا البحث إلى تحليل أسباب هذه الفوارق في معدلات الجريمة بين الدول، مع التركيز بشكل خاص على معدلات الجريمة المُبلّغ عنها والتنمية.
تقدّم النظرية الاقتصادية للجريمة إطارًا نظريًا طبيعيًا لمثل هذا التحليل، حيث يستجيب المجرمون للحوافز الاقتصادية بالطريقة نفسها التي يستجيب بها العاملون القانونيون.
وتتعلق جاذبية النشاط الإجرامي بشكل وثيق بالمتغيرات التي تشهد تغيرات كبيرة أثناء عملية التنمية الاقتصادية (مثل توزيع الدخل، ونصيب الفرد من الدخل، والتطور المؤسسي). ولذلك يبدو أن العلاقة بين التنمية والجريمة تقود بطبيعتها إلى تفسير اقتصادي.
وبناءً على ذلك، يتناول هذا البحث كيفية تأثير التغيرات التي تصاحب التنمية الاقتصادية عادة على معدلات الجريمة. وفي تقييم هذا السؤال، نواجه المشكلة التقليدية المتمثلة في انخفاض الإبلاغ في البيانات الدولية. ولمعالجة هذه المشكلة، تم استخدام مسح جديد للضحايا إلى جانب لوحة من السجلات الرسمية.
يُتيح استخدام هذين المصدرين للبيانات تحليل أخطاء الإبلاغ والسيطرة عليها. وتشير نتائجنا إلى أن العلاقة الإيجابية بين الجريمة والتنمية (التي تذكر كثيرًا في أدبيات علم الجريمة ولكن يشكك فيها الاقتصاديون) ليست علاقة حقيقية.
فمعدلات الإبلاغ عن الجرائم مرتبطة بشدة بالتنمية، وخاصة بدخل الفرد. ولذلك فإن الارتباط الإيجابي بين الجريمة والتنمية، الذي يُذكر أحيانًا، ينشأ نتيجة الاعتماد الكامل على السجلات الرسمية. فالتنمية لا تؤدي إلى توليد الجريمة.
وعندما نستخدم عملية تصحيح تأخذ في الحسبان أخطاء الإبلاغ، تُظهر الأدلة أن التنمية الاقتصادية لا تبدو مرتبطة بمعدلات الجريمة. كما أن عدم المساواة في الأجور يؤثر بشكل إيجابي على معدلات الجريمة، في حين أن التعليم والنمو الاقتصادي يقللان منها.
المصدر : عصر اقتصاد




