الاستراتيجية العالمية للصحة للأعوام 2025–2028 (الجزء الثالث)

بعد جائحة مرض فيروس كورونا، نشأ فهم جديد—لدى القادة السياسيين والشعوب التي يخدمونها—بشأن المكانة المحورية للصحة والرفاه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وعلى الرغم من أنّ أهداف التنمية المستدامة المتصلة بالصحة قد انحرفت بشكل كبير عن مسارها، فإنّ القدرات والالتزامات الوطنية والدولية الجديدة يمكن أن تُستثمر لإحياء العمل نحو الهدف الأساسي لهذه الأهداف، وتجهيز النظم الصحية للاستجابة لتوقعات السكان ولمواجهة التحديات الناشئة في عالم ما بعد أهداف التنمية المستدامة.
وتوفر الفترة الممتدة بين عامي 2025 و2028 فرصة فريدة لتعزيز العدالة الصحية وإعادة أهداف التنمية المستدامة المتصلة بالصحة إلى المسار الصحيح، مع جعل النظم الصحية «جاهزة للمستقبل».
إنّ تحقيق هذا الهدف يتطلب برنامجاً عالمياً مشتركاً للصحة، وعَملاً تعاونياً بين مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة دعماً لإجراءات الحكومات.
تقوم هذه الوثيقة الاستراتيجية للصحة العالمية—برنامج العمل العام الرابع عشر لمنظمة الصحة العالمية للفترة 2025–2028 (GPW 14)—على الأساس الذي أُرسِي في برنامج العمل العام الثالث عشر (GPW 13) للفترة 2019–2025، الذي وضع الأثر القابل للقياس في البلدان في صميم عمل منظمة الصحة العالمية وإطار نتائجها. كما تستفيد من الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19 ومن تقييم برنامج العمل الثالث عشر (انظر الإطار 1)؛ وتدفع قدماً الإعلانات السياسية المتعلقة بالصحة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ وتعكس مشاورات واسعة ومتواصلة مع الدول الأعضاء والشركاء ومجموعات أصحاب المصلحة.
يرتكز هذا البرنامج على مبدأ أهداف التنمية المستدامة «ألا يُترك أحد خلف الركب»، كما يستند إلى التزام منظمة الصحة العالمية بالعدالة الصحية والمساواة بين الجنسين والحق في الصحة للجميع، وتعزيز أنماط الحياة الصحية والرفاه على امتداد مراحل العمر.
ويمضي برنامج العمل الرابع عشر في تنفيذ التزام منظمة الصحة العالمية—الذي ورد في تقرير المدير العام بشأن تمديد برنامج العمل الثالث عشر حتى عام 2025—المتمثل في تعزيز الصحة وتقديمها وحمايتها، مع المساهمة في تعزيز عمل المنظومة الصحية العالمية بأكملها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحسين الأداء المؤسسي لمنظمة الصحة العالمية ذاتها.
وتصف القسم الأول من برنامج العمل الرابع عشر السياق العالمي الصعب نسبياً خلال الفترة 2025–2028، وتُمهد لدستور صحي عالمي مشترك.
ويعرض القسم الثاني الغاية المشتركة (تعزيز الصحة وتقديمها وحمايتها)، والأهداف الاستراتيجية، والنتائج المشتركة لبرنامج العمل الرابع عشر للدول الأعضاء ووكالات الأمم المتحدة والشركاء وأصحاب المصلحة والأمانة العامة خلال الفترة ذاتها، كما يقدم نظرية التغيير التي تشرح كيفية مساهمة عمل منظمة الصحة العالمية وغيره من الشركاء في دعم هذا البرنامج.
ويبيّن القسم الثالث كيفية مساهمة أمانة منظمة الصحة العالمية في برنامج الصحة العالمي من خلال نتائجها المؤسسية لتعزيز التقدم وتحقيق أثر قابل للقياس.
ويشرح القسم الرابع كيفية قيام أمانة منظمة الصحة العالمية بتحسين أدائها خلال فترة 2025–2028.
وأخيراً، يقدم الملحق مسودة النتائج المشتركة ومؤشرات برنامج العمل الرابع عشر، فضلاً عن مسودة النتائج المؤسسية والإطار المؤشراتي المصاحب لها، التي ستستمر عملية تطويرها ضمن ميزانية البرنامج للعامين 2026–2027.
🔷 الإطار 1 – التقييم المستقل لبرنامج العمل الثالث عشر: أساس لتحسين برنامج العمل الرابع عشر
كان فريق التقييم المستقل لبرنامج العمل الثالث عشر على تواصل منتظم مع اللجنة التوجيهية لبرنامج العمل الرابع عشر لضمان أخذ النتائج الأولية في الاعتبار، وعكس التوصيات الأساسية في البرنامج الجديد، مع التركيز على:
• تحديد جدول أعمال الصحة العالمية: يقدم برنامج العمل الرابع عشر الآن جدول أعمال عالمياً للفترة 2025–2028، تم تطويره عبر مشاورات واسعة مع الدول الأعضاء والشركاء ومجموعات أصحاب المصلحة.
• نظرية التغيير: تقدم نظرية تغيير شاملة تُوضح كيف يمكّن العمل الأساسي لمنظمة الصحة العالمية الإجراءات المشتركة اللازمة من الدول الأعضاء والمنظمة والشركاء لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والنتائج المشتركة.
• مجالات التركيز ذات الأولوية: يتضمن برنامج العمل الرابع عشر تركيزاً أكبر على صمود النظم الصحية، والعدالة الصحية وإمكانية الوصول العالمي، وتغير المناخ، والوقاية من الأمراض ضمن أولوياته.
• إطار النتائج: تم تطوير سلسلة نتائج ومنطق أقوى لبرنامج العمل الرابع عشر، تشمل النتائج «المشتركة» و«المؤسسية»، ومؤشرات قياس مُعاد ضبطها، ومؤشرات نتائج مُحدّثة (انظر الملحق؛ أما المخرجات فسيتم الانتهاء منها ضمن ميزانية البرنامج).
• جمع البيانات وإدارتها: يؤكد البرنامج على قواعد بيانات أقوى، مع نتيجة محددة لتعزيز نظم المعلومات الصحية الوطنية وأنظمة البيانات والأنظمة الرقمية، إضافة إلى تركيز مؤسسي على تحسين قدرات إدارة البيانات لإنتاج بيانات موثوقة وفي الوقت المناسب وقابلة للاستخدام.
**القسم الأول
الصحة والرفاه في عالم تتزايد فيه التعقيدات**
🔷 عالم يتغير
منذ اعتماد أهداف التنمية المستدامة في عام 2015 وإقرار برنامج العمل الثالث عشر في عام 2018، تغيّر العالم—ولا يزال يتغيّر—بطرق جوهرية لها آثار عميقة على صحة البشر ورفاههم في كل بلد ومجتمع، ولا سيما الفئات الأشد فقراً وضعفاً.
لقد تسارعت وتيرة تغيّر المناخ وتدهور البيئة، وأصبحا تهديداً رئيسياً لصحة الإنسان في القرن الحادي والعشرين. إذ تستمر درجات الحرارة العالمية في الارتفاع، ومن المتوقع أن تتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2030.
وتزداد الظواهر المناخية الحادة، وتلوث الهواء والمواد الكيميائية، وانتقال الميكروبات عبر واجهة الحيوان–الإنسان–البيئة، والأوبئة الحساسة لتغير المناخ عبر العالم، مع تأثيرات غير متكافئة على المناطق الأكثر هشاشة، بما في ذلك الدول الجزرية الصغيرة النامية.
كما وصلت الهجرة والنزوح البشري إلى مستويات غير مسبوقة، إذ يُقدّر أنّ مليار شخص قد اختاروا الهجرة أو أُجبروا على النزوح داخل بلدانهم أو خارجها بسبب العوامل الاقتصادية والبيئية والسياسية والحروب وغيرها.
وتتسارع التحولات الديموغرافية، مع شيخوخة السكان في العديد من البلدان، بالتوازي مع تزايد التحضر عالمياً. وتعاني الخدمات العامة الأساسية في اللحاق بالركب، حيث يفتقر نحو 30% من سكان العالم إلى المياه الصالحة للشرب.
وتسهم التفاوتات المتزايدة داخل البلدان وفيما بينها—التي تفاقمت بفعل جائحة كوفيد-19—في اتساع الفجوة في النتائج الصحية والاجتماعية والاقتصادية بين من يملكون الموارد ومن لا يملكونها.
ويتغير المشهد الجيوسياسي مع ظهور تحالفات جديدة، وتحولات في موازين القوى، وتزايد الاضطرابات، وتصاعد الاستقطاب، واندلاع صراعات جديدة، وارتفاع التركيز على الاكتفاء الذاتي الوطني والإقليمي، مما يزيد من تعقيد التعاون الوطني والدولي لتعزيز الصحة والرفاه.
وفي الوقت ذاته، دفعت التقدمات العلمية والتكنولوجية بالعالم نحو عصر علمي ورقمي جديد، يحمل إمكانات هائلة لدفع التنمية البشرية قدماً، وتحسين صنع السياسات واتخاذ القرار، وزيادة الإنتاجية وإمكانية الوصول إلى المعلومات وتحسين تقديم الخدمات.




