الخروج التدريجي لطالبان من العزلة الدبلوماسية
بعد أربع سنوات من عودة طالبان إلى السلطة، بدأت العملية التي كانت في بدايتها مقترنة بعزلة دولية شبه تامة، تتحول تدريجيًا إلى إعادة تعريف لعلاقات العديد من الدول مع حكّام أفغانستان الجدد. فالزيارات الدبلوماسية، وإعادة فتح الممثليات، والمشاورات الأمنية، وحتى التعاون في مكافحة الإرهاب، كلها مؤشرات تدلّ على تحسّن العلاقات بين كابل ومجموعة متنوعة من الدول.

بعد أربع سنوات من عودة طالبان إلى السلطة، بدأت العملية التي اقترنت في بدايتها بعزلة دولية شبه كاملة تتحوّل تدريجيًا اليوم إلى إعادة تعريف لعلاقات العديد من الدول مع الحكّام الجدد لأفغانستان. فالزيارات الدبلوماسية، وإعادة فتح الممثليات، والمشاورات الأمنية، وحتى التعاون في مكافحة الإرهاب، كلها تشير إلى تحسّن العلاقات بين كابول ومجموعة متنوعة من الدول.
وبحسب تقرير «فايننشال تايمز»، ظهرت أولى ملامح هذا التحوّل من القوى الآسيوية الكبرى. فمنذ عام 2024 استأنفت الصين وروسيا عمليًا علاقاتهما مع حكومة طالبان؛ إذ قامت روسيا بالاعتراف الرسمي، فيما منحت الصين مستوى من «الاعتراف بحكم الأمر الواقع»، مما مهّد لتعاون تجاري وتعديني. وتتمحور دوافع البلدين حول القضايا الأمنية واحتواء الجماعات المتطرفة والاستفادة من القدرات الجيو-اقتصادية لأفغانستان، أكثر من كونها دوافع سياسية أو أيديولوجية.
وفي الوقت نفسه، دخلت الهند — التي كانت لعقود معارضة تقليدية لطالبان بسبب منافستها الجيوسياسية مع باكستان — في مسار تواصل أكثر براغماتية. فقد شكّل سفر وزير خارجية طالبان إلى نيودلهي، وإعلان الاهتمام بإشراك الشركات الهندية في قطاع التعدين، مؤشرًا على انتقال العلاقات بين كابول ونيودلهي من العداء التاريخي إلى حوارات سياسية واقتصادية.
وانعكس هذا المسار أيضًا في أوروبا؛ إذ قامت بعض الحكومات الأوروبية، رغم انتقاداتها الحادة لوضع حقوق المرأة، بتفعيل قنوات التواصل مع طالبان بهدف تسهيل عودة المهاجرين وإدارة الملفات الأمنية، منعًا لتفاقم أزمة إنسانية أو أمنية ذات تبعات عابرة للحدود.
أما الولايات المتحدة، فعلى الرغم من مواقفها المزدوجة والمتناقضة أحيانًا تجاه طالبان، فقد دخلت في تعاون مع كابول في مجال مكافحة «داعش – خراسان». وقد اعتبر بعض المسؤولين الأمريكيين أداء طالبان في كبح الفصائل المتشددة أداءً إيجابيًا، رغم استمرار واشنطن في سياسة تقييدية بخصوص الأصول المجمّدة وبنية الحكم.
وعلى النقيض من هذا المسار، دخلت علاقات طالبان وباكستان مرحلة توتر غير مسبوقة؛ إذ تتهم إسلام آباد كابول بدعم المتشددين المناهضين لباكستان، وأدّى ذلك في الأشهر الأخيرة إلى هجمات حدودية وعمليات ترحيل واسعة للاجئين وتهديدات بعمل عسكري. وقد أثّرت الخلافات حول «تحريك طالبان باكستان» وأمن الحدود الشرقية بشكل مباشر على التجارة الثنائية التي تُقدّر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات. هذا الشرخ فتح المجال أمام طالبان لتعزيز علاقاتها مع أطراف بديلة مثل إيران والهند، خصوصًا عبر تعزيز المسارات اللوجستية من خلال ميناء تشابهار.
ورغم تحسن العلاقات الخارجية تدريجيًا، لا يزال الوضع الاقتصادي في الداخل هشًا؛ فالفقر، وحرمان النساء من المشاركة الاقتصادية، وانقطاع جزء من المساعدات الغربية، واستمرار تجميد الاحتياطيات المالية، كلها عوامل تشل اقتصاد أفغانستان. كما أن عودة جزء من المهاجرين من الدول المجاورة فرضت ضغطًا إضافيًا على سوق العمل ونظام الخدمات.
ويبدو أن طالبان تحاول — عبر تنظيم علاقاتها الخارجية — أن ترسم لنفسها موقعًا أقل تكلفة في النظامين الإقليمي والدولي. إلا أن نجاح هذا المسار يعتمد على إدارة التحديات الأمنية، وإجراء إصلاحات اقتصادية، والتعامل بواقعية أكبر مع محيطها، وهي عوامل ستسهم في تشكيل مستقبل علاقة كابول مع العالم.
المصدر: دنياي اقتصاد




