مقالات الرأي

مَأْسَسَةُ الاقتصاد الشَّعبي (الجزء الثالث)

✍️أمیرحسین خدائي، باحث

 

مأسسة الاقتصاد الشعبي (7)
اقتصاد إيران بيد الشعب: من الحلم إلى البرنامج العملي

تخيّل أن أصوات ورشات الإنتاج الصغيرة والمتوسطة تمتزج في القرى وشوارع المدن؛ أصوات تؤكد أن لكل زاوية من البلاد محركها الاقتصادي الخاص. العائلات، الشباب المتخصصون، التعاونيات، الصناديق الصغيرة، والشبكات المحلية لم يعودوا مجرد متفرجين، بل أصبحوا الفاعلين الرئيسيين على درجات نردبان المشاركة. وكلما صعد الناس درجة، انتقلوا من مجرد مستهلكين إلى صناع قرار يمتلكون السلطة الحقيقية. وقد أثبتت الدول المتقدمة—ألمانيا، السويد، اليابان، كوريا الجنوبية، الهند، تشيلي، نيوزيلندا، سنغافورة، إستونيا والولايات المتحدة—أن وضع الناس على درجات المشاركة العليا يؤدي إلى العدالة والابتكار والنمو المستدام وتوفير فرص العمل الشامل.

1. محاور مأسسة الاقتصاد الشعبي والنماذج العالمية

أ) الزراعة وإنتاج الغذاء

في الهند واليابان، لم يعد صغار المزارعين مجرد منتجين، بل أصبحوا مشاركين في القرارات الاقتصادية الكبرى. أما السويد وألمانيا فقد قلّصتا سلسلة التوزيع، ما ألغى دور الوسطاء ووضع الناس في موقع المالكين وصنّاع القرار. ويمكن لإيران—بما تمتلكه من موارد طبيعية وكل المواد الأولية—أن ترفع المزارعين إلى درجات المشاركة العليا عبر التدريب، تحديث المعدات، والتمويل الصغير بحيث تكون الملكية والقرار والعائد في أيديهم مباشرة.

ب) الطاقة والموارد المتجددة

أظهرت كوريا الجنوبية وألمانيا أنه حين يمتلك الناس حصة حقيقية في مشاريع الطاقة، ترتفع الكفاءة والدافعية. أما إستونيا فحوّلت المواطنين من مستهلكين فقط إلى مالكين ومراقبين للطاقة عبر الإدارة الذكية. وفي إيران يمكن تشكيل تعاونيات طاقة شعبية في القطاعين العام والخاص، مع إمكانية بيع فائض الكهرباء، بحيث يكون القرار والعائد بيد المواطنين.

ج) الصناعات والإنتاج المعرفي

اعتمدت اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا على الحاضنات العلمية والحدائق التكنولوجية لإشراك الشباب المتخصصين على مستوى الملكية واتخاذ القرار. ويمكن لإيران—عبر رأس المال الصغير للصناديق الشعبية والبنية التحتية التكنولوجية—أن تؤسس شركات معرفية صغيرة ومتوسطة لطلاب المدارس والجامعات ليصبح الشعب فاعلاً رئيسياً في دائرة الإنتاج.

د) التمويل واستثمار المدخرات الصغيرة

أثبتت صناديق الاستثمار الصغيرة في أوروبا وأمريكا وبنوك التمويل الأصغر في بنغلادش أن الإنتاج والابتكار يزدهران عندما يقود الناس عملية الاستثمار. وفي إيران يمكن توجيه السيولة عبر الصناديق المحلية والتعاونيات والسندات الصغيرة ومنصات التمويل الجماعي لرفع الناس من درجات المشاركة الدنيا إلى العليا.

هـ) الشفافية، الرقابة وتقليص الفساد

اعتمدت الدول المتقدمة على أنظمة شفافية رقابية شعبية قلّصت الفساد. وفي إيران يمكن تعزيز دور الناس عبر تطوير أنظمة المناقصات، تسجيل الملكية، وعلنية العقود، بحيث يصبح المواطنون مراقبين وصناع قرار حقيقيين ويغدو الاقتصاد شفافاً وشعبياً.

2. المتطلبات الداخلية للإنتاج ومأسسة الاقتصاد الشعبي

  • توجيه المدخرات الصغيرة إلى الصناديق والتعاونيات لتمكين الاقتصاد الشعبي.

  • تحويل الشباب المتخصصين إلى محرك الابتكار وصنع القرار.

  • وضع التكنولوجيا والبنى التحتية في متناول المواطنين ليملكوا السيطرة على الإنتاج والعائد.

  • استخدام المواد الأولية المحلية، النظام المصرفي والمنصات الرقمية كأدوات لصعود الناس على نردبان المشاركة.

  • إصلاح القوانين لتوفير بيئة أعمال آمنة ومهيأة لمشاركة فعلية للشعب.

3. الأساليب والحلول العملية

  • تشكيل صناديق استثمار محلية صغيرة بدعم تنظيمي من البنوك.

  • إنشاء تعاونيات زراعية وطاقية بعائد مباشر وحق اتخاذ القرار للأعضاء.

  • تطوير منصات التمويل الجماعي.

  • تدريب الشباب على المهارات الإدارية والفنية والتسويقية.

  • شفافية المناقصات والعقود الحكومية.

  • دعم الأسواق المحلية وسلاسل التوريد القصيرة.

  • استخدام التقنيات الحديثة لتتبع الملكية وتوزيع الأرباح.

  • منح الضمانات البنكية والقروض مقابل الأصول المنقولة وغير المنقولة.

4. التسهيلات القانونية ودور الدولة

  • قوانين داعمة للاستثمار الصغير والتعاونيات.

  • إطار قانوني واضح للتمويل الجماعي والسندات الصغيرة.

  • إلزام المؤسسات بالعضوية في الهيئات المهنية المتخصصة.

  • مجالس مهنية لموظفي القطاع العام لنقل الخبرات.

  • ضمان جزء من رأس المال والعائد لتقليل مخاطر المستثمرين الصغار.

  • تحديد مهمات قانونية لجميع المؤسسات العامة والخاصة وفق قدراتها وخبراتها، مع تقييم سنوي قائم على مؤشرات أداء واضحة.

5. أساليب متنوعة للتمويل

  • الصناديق المشتركة والتعاونيات.

  • السندات الصغيرة للمشاريع الكبرى.

  • منصات التمويل الجماعي.

  • صناديق الادخار المهنية والعائلية والمحلية.

  • المشاركة الشعبية في الأسواق المحلية ضمن أطر شفافة.

كل هذه الأدوات تساعد الناس على الصعود درجات نردبان المشاركة ليصبحوا أصحاب سلطة اقتصادية حقيقية.

6. تحديد الأولويات والجدول الزمني

  • السنة الأولى: إصلاح القوانين، تأسيس الصناديق والتعاونيات، بناء أنظمة الشفافية.

  • السنة الثانية والثالثة: توسيع المنصات المالية، تعليم الشباب والطلاب، تنفيذ مشاريع تجريبية للطاقة والزراعة الشعبية.

  • السنة الرابعة والخامسة: التوسع الكامل للتعاونيات والصناديق، إدماج الكفاءات المتخصصة في الإنتاج، تقييم وتحسين البرامج بمشاركة الشعب.

في كل مرحلة، يصعد المواطنون، وخاصة الفئات الأقل دخلاً، درجات المشاركة تدريجياً نحو الأعلى، ويصبح التقييم شفافاً ومتاحاً للجمهور، ليغدو الاقتصاد شعبياً، حيوياً وشفافاً.

الخاتمة

يتحقق الاقتصاد الشعبي عندما يصل الناس إلى درجات المشاركة العليا حيث تكون الملكية والرقابة وصنع القرار بأيديهم. وعندما تعمل العائلات والشباب المتخصصون والصناديق الشعبية جنباً إلى جنب في دورة الإنتاج والقرار، تستطيع إيران أن تقف على قدميها، تقلّص التبعية، وتبني اقتصاداً حيوياً، شفافاً ومبتكراً.

والحكمة أن نضع الحق رفيقاً دائماً لمسارنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى