مقالات الرأي

مَأْسَسَةُ الاقتصاد الشَّعبي (الجزء الرابع)

✍️أمیرحسین خدائي، باحث

 

مأسسة الاقتصاد الشعبي (8)

هوية الحلم الكبير للجيل الجديد… من قاعة الدرس إلى قلب الاقتصاد الشعبي

مذكرة إلى الأساتذة والوالدين والمديرين وكل من يعلم أنّ المستقبل يُصنع ولا يُنتظر.

في زمنٍ يتغيّر فيه العالم بسرعة مذهلة، تقف مجتمعاتنا أمام خيارٍ تاريخي:
إما أن نُرسل الجيل الجديد إلى المستقبل بالعادات القديمة القائمة على الحفظ،
وإما أن نحوّل المدرسة والجامعة إلى ورشة لصناعة الإنسان القادر، المستقل، الخلّاق، وصانع الثروة؛ جيلٌ لا يبحث عن العمل، بل يَخلقه؛ جيلٌ يستعيد حصته الحقيقية من اقتصاد وطنه، ويشارك مع الشعب في بناء اقتصادٍ شعبيّ مستدام.

هذه المذكرة دعوة لإطلاق حراك وطني عنوانه «الذكاء المالي»؛ حراكٌ يمكن أن يبدأ من أصغر المدارس ليصبح ركناً راسخاً في مستقبل البلاد.

لماذا يجب أن نبدأ من المدرسة؟

كل تغيير كبير يبدأ من نقطة صغيرة.
التلميذ الذي يتعلّم اليوم كيف يُدير مصروفه،
سيكون غداً شابًا قادرًا على إنعاش مشروعٍ محلي.
والطالب الذي يتعلم اليوم كيف يكتب خطة اقتصادية،
سيكون غداً مديراً أو رائد أعمال له دور حاسم في الإنتاج والتشغيل الوطني.

يجب ألا تكون المدرسة مجرد مكان للحفظ؛ بل بيئة يتعلم فيها الطلاب:

  • معنى الأصول والخصوم؛

  • كيفية إعداد ميزانية شخصية؛

  • الجرأة على خوض ريادة الأعمال؛

  • كتابة خطة اقتصادية؛

  • وتجربة إنتاج الثروة الحقيقية.

هذه التجارب تبني الثقة بالنفس،
والثقة تولّد الاستقلال المالي،
والاستقلال المالي هو حجر الأساس للاقتصاد الشعبي.

دور التلاميذ والطلاب في تعميم الاقتصاد بين الناس

الجيل الجديد ليس مستهلكًا للمعرفة فقط؛
بل إذا امتلك المهارة، أصبح أعظم قوة محرّكة للاقتصاد.

1. تحويل المدرسة والجامعة إلى مراكز لإنتاج القيمة

عندما يصنع التلاميذ منتجًا صغيرًا ويبيعونه،
أو يقدم الطلاب خدمة مبتكرة،
تنمو لديهم روح المبادرة، واتخاذ القرار، والعمل الجماعي، والمسؤولية.

2. دخول الجيل الشاب إلى السوق المحلي

من خلال خطط اقتصادية يقدمها الطلاب لأسواق مدنهم،
أو من خلال الدخل الذي يحققه التلاميذ في الأسواق المدرسية.

3. تعلم أساليب جذب الاستثمار والاستثمار الذاتي

الجيل الذي يعرف كيف يحوّل المدخرات الصغيرة إلى رأس مال،
أو كيف يستفيد من دعم الناس، والمموّلين المحليين، والتمويل الجماعي،
هو جيل يصنع معجزته الاقتصادية.

4. ترسيخ ثقافة المشاركة وامتلاك الأسهم

عندما يشتري التلاميذ أسهماً في مشاريع مدرسية،
أو يستثمر الطلاب في مشروعات محلية مشتركة،
يتكوّن جيل يطالب بحصته من صناعة الثروة.

5. بناء الشبكات والعلاقات الاجتماعية

الشبكات الداعمة من أسر، ومعلمين، وزملاء، وخيّرين
تلعب دوراً حيوياً في النجاح الاقتصادي.

6. إدارة المخاطر واتخاذ القرار

تعلم اتخاذ القرار في ظل عدم اليقين
يهيّئ الجيل الشاب لمواجهة تحديات الاقتصاد الحقيقي.

نماذج عالمية ناجحة: كيف يُصنع جيلٌ صانع للثروة؟

1. مدارس تؤسس شركات حقيقية (في أوروبا وأمريكا)

ينشئ التلاميذ شركة صغيرة، يبيعون أسهماً، ينتجون، يسوّقون، ويقتسمون الأرباح.

2. برامج وطنية للتعليم المالي من الابتدائية (شرق آسيا)

حيث يُعلَّم الادخار والميزانية والاستثمار منذ السنوات الأولى.

3. برامج ريادة الأعمال للمراهقين

تقديم الأفكار للجنة تحكيم والحصول على دعم مالي وتعليمي.

4. التجربة اليهودية

على الرغم من أن عدد اليهود 15.8 مليون فقط—أقل من نصف بالمئة من سكان العالم—
فإن لهم حضوراً كبيراً في الثروة والابتكار.
365 مليارديراً منهم يملكون مجتمعين أكثر من 2.66 تريليون دولار.
والسبب: التعليم المالي المبكر، تقدير المعرفة والعمل، الادخار، الاستثمار، والشبكات الداعمة.

نماذج داخلية ناجحة

  1. أسواق مدرسية ومشاريع «التلميذ الريادي».

  2. دورات ريادة الأعمال الجامعية.

  3. مسرّعات الأعمال للشباب واليافعين.

  4. مدارس مهنية تُنتج منتجات حقيقية قابلة للبيع.

  5. تحليل السوق والبحث الاقتصادي التطبيقي.

  6. الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية في العمل.

  7. التدريب المستمر وتراكم الخبرة.

الخطوة الكبرى أمامنا

يجب أن تكون المدرسة مركزاً لـ:

  • تعليم الذكاء المالي؛

  • التدريب على كتابة الخطط الاقتصادية؛

  • توفير فرص إنتاج ثروة صغيرة؛

  • ربط الطالب بالسوق الحقيقي؛

  • وتأهيله ليكون شريكاً في اقتصادٍ شعبي.

ويجب أن تكون الجامعة قادرة على:

  • جعل البحوث الاقتصادية تطبيقية؛

  • تحويل الطالب من مستهلك للمعرفة إلى منتج للقيمة؛

  • ومرافقته في مسار الإدارة المالية وريادة الأعمال والاستثمار.

الخاتمة

يبدأ الغد المشرق حين نؤمن بأن الأجيال القادمة يجب أن تتعلم… وأن تُنتج الثروة، وتتحمل المسؤولية المالية، وتكون شريكة في اقتصاد الوطن.
وهذا الطريق يمر من المدرسة، من تلك المقاعد التي جلسنا عليها يوماً ما.
إن بدأنا اليوم، فلن يكون الغد متأخراً، وسيولد جيلٌ يصنع الاقتصاد الشعبي لا شعاراته فقط.

نتيجة الحكمة هي ملازمة الحق دائماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى