أخبار العالم

لقد عطَّل سوءُ الإدارة والفسادُ المحرّك الاقتصادي لفنزويلا

نيكولاس مادورو، رئيسُ فنزويلا، شخصيةٌ تُعرَف بتناقضاتها. فمن جهة، يُعتبَر مادةً للسخرية بسبب معتقداته الغريبة مثل اعتقاده بتجسّد هوغو تشافيز في هيئة طائر، وقراراته غير المألوفة كإقامة عيد الميلاد قبل موعده بشهرين. ومن جهةٍ أخرى، فإنه، بعد أكثر من 12 عامًا في السلطة، صاحب أطول فترة رئاسية بين قادة أمريكا اللاتينية الحاليين، وقد أثبت مرارًا أن الاستهانة به خطأٌ كبير يرتكبه منتقدوه.

وفقاً لتقرير شبكة «سي إن إن»، فإن نيكولاس مادورو، الذي تعود خلفيته المهنية إلى قيادة الحافلات والنشاط النقابي، لم يكن يوماً الخيار الأول لخلافة هوغو تشافيز. غير أن تشافيز، وهو على سرير المرض في ديسمبر 2012، عيّنه وريثاً بلا منازع. وقد ورث مادورو، الذي لُقّب بـ«ابن تشافيز»، دولةً تعاني منذ اللحظة الأولى من أزمة شرعية. ففي انتخابات أبريل 2013 فاز بفارق ضئيل بلغ 1.59% فقط على منافسه—وهو فوز لم تعترف به المعارضة قط—فأطلق بذلك حلقة معيبة استمرت في حكمه.

ظل نمط حكم مادورو خلال العقد الماضي ثابتاً: انتخابات مثيرة للجدل، وقمع عنيف للاحتجاجات الشعبية، وتوزيع السلطة والامتيازات الاقتصادية على الموالين لمنع أي تحديات داخلية. ولضمان بقائه، اعتمد على دعم حلفائه الدوليين مثل روسيا والصين، ولا سيما كوبا. وقد ساعدته العلاقة العميقة مع كوبا، التي بدأت منذ توليه وزارة الخارجية، على احتواء الانتفاضات الداخلية—مثل تمرد أبريل 2019—من خلال خدماتها الأمنية. ورغم أن هذا النهج ساهم في ترسيخ سلطته، إلا أنه دفع فنزويلا نحو عزلة دولية متزايدة، حتى أن حكومات يسارية في المنطقة شكّكت في شرعية انتخاباته.

وكان ثمن بقاء مادورو كارثياً على شعب فنزويلا. فمنذ 2013 انكمش اقتصاد البلاد بنسبة 72%، بينما انهارت صناعة النفط—التي كانت يوماً العمود الفقري للاقتصاد—بسبب سوء الإدارة والفساد، حتى قبل العقوبات الأميركية الواسعة عام 2019. وقد أدت الفقر الشامل والممارسات القمعية إلى خلق أكبر أزمة هجرة في التاريخ الحديث للمنطقة، مجبرةً نحو 8 ملايين فنزويلي على مغادرة البلاد. وتشير تقارير الأمم المتحدة وتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والإعدامات خارج القانون، والتي تُصنّف كـ«جرائم ضد الإنسانية»—وهي اتهامات ترفضها حكومة مادورو وتصفها بأنها جزء من «مؤامرة إمبريالية».

يكمن مفتاح بقاء مادورو في تشكيل «كونفدرالية للسلطة». فعلى عكس تشافيز الذي اعتمد على كاريزمته، ضمن مادورو ولاء الجيش من خلال منح قادته السيطرة على قطاعات حيوية من الاقتصاد ومناصب حكومية مهمة. وفي هذا الهيكل، يلعب قادة التيار التشافي القديم والجماعات شبه العسكرية الموالية المعروفة بـ«الكولكتيفو» دوراً أساسياً. ومن خلال توزيع السلطة والمال والمسؤوليات، أنشأ مادورو نظاماً يرتبط فيه بقاء العديد من اللاعبين النافذين ببقائه في السلطة. واليوم، ومع اقتراب جولة جديدة من الضغوط الأميركية، يجد مادورو نفسه مرة أخرى في وضع حساس. فالسياسات الأميركية—من العقوبات الخانقة إلى المفاوضات السرّية—فشلت حتى الآن في إسقاطه. ويبقى السؤال: هل سيتمكن هذا «الأستاذ في تحويل الأزمات إلى فرص» من تحدي التوقعات مرة أخرى والخروج سالماً من هذه العاصفة؟

المصدر: دنيا الاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى