القسم السياسي

متى تنتهي الوصاية الأمريكية على الشرق الأوسط ؟

✍️ حوراء المصري:

 

في قديم الزمان كانت خريطة الشرق الأوسط تختلف كلياً عن يومنا هذا، فكانت متماسكة غير مفككة، تحمل ثقافة زاخرة بالوعي والمعرفة، فكنا نقود أنفسنا دون الحاجة لأي من التدخلات التي طرأت على منطقتنا قبل بضع عقود.

 

إلا أن الأهم من هذا كله هو كيف بدأت هذه التدخلات أو كما أسميتها “الوصاية”؟

 

وهل حقاً نحن بحاجة لهذا الشيء، ألا يمكننا قيادة أنفسنا؟

 

لا يمكننا معرفة الحاضر الذي نمر به إلا بالاطلاع عن كثب على تاريخ منطقتنا وقدرتها السابقة.

 

“عندما كنا نحكم أنفسنا”

 

إذا ما عدنا للتاريخ العربي القديم نجد أن العرب والمنطقة العربية لم تعرف الخضوع للسيطرة الأجنبية إلا في العقود الأخيرة، فمرت هذه الرقعة الجغرافية بفتراتٍ ذهبية كان فيها العرب هم أسياد السلطة والسيادة على جميع الأصعدة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فكيف كانت السيطرة يا ترى؟

 

“قوة عسكرية وسياسية”

 

منذ الخلافة الراشدة مروراً بالعهد الأموي الذي امتدت خيوطه لحدود الصين حتى الأندلس التي مازال بعض العرب يتغنون بالحب والاشتياق لها، لم تكن هناك أي قوة تفرض سيطرتها عليهم كالقوة البيزنطية مثلاً، والتي تراجعت بشكل كبير في تلك الحقبة. إلا أن هذا التطور لم يتوقف عند حدود العصر الراشدي والأموي، بل كذلك في العصر العباسي الذي نبغ فيه الشعراء والعلماء بشتى الأقسام: الأطباء والمهندسين والفيزيائيين. فعرف العرب علومًا كثيرة كالفلك والرياضيات، فأول من علم ما يوجد في الفضاء هم العرب نظراً لما يملكون من كنزٍ عظيم كالقرآن الكريم الذي ساعدهم في توسع علومهم وبحور معرفتهم.

 

فكانت مدن كدمشق وقرطبة وبغداد مقصداً يحلم به كل طالب علم في أوروبا وآسيا.

 

لم تقتصر قوة ونبوغ العرب على العلوم بل كذلك الاقتصاد، فكان الاقتصاد العربي في أوج أيامه، وكان تجار الحرير يأتون من الصين وغيرها عبر طريق الحرير الذي لطالما كان ملتقى الحضارات والثقافات.

 

عندما نقف أمام هذا التاريخ يتسلل لأذهاننا سؤال واحد: ماذا حدث للأمة العربية والمنطقة ككل؟ هل يعقل أن تتغير الأمة التي كانت رائدة في الوعي والثقافة فضلاً عن القيادة، لتصبح رهينة الهيمنة الأجنبية؟ فما القصة؟

 

“سقوط المنطقة في براثن الهيمنة الأجنبية”

 

بدأ النفوذ العربي يضعف ولا سيما بعد سقوط الأندلس وتفكك الدولة العباسية وظهور الدولة العثمانية وغيرها. كل هذه التغيرات عملت على تفكك الأمة والمنطقة إلى دويلات، كل منها يريد فرض سيطرته، مما سهل تسلل المطامع الأجنبية في المنطقة. فبدأت بريطانيا تتدخل شيئاً فشيئاً حتى صارت مستعمرة للعرب، وكذلك فرنسا التي لم تقف مكتوفة الأيدي وتوغلت في بلاد الشام وفرضت سيطرتها عليها.

 

تمثلت هذه السيطرة فيما بعد باتفاقية سايكس بيكو 1916 حيث قُسمت المنطقة العربية رسمياً بين بريطانيا وفرنسا، اللتين عملتا فيما بعد على زرع الكيان الصهيوني في المنطقة، وتجلى ذلك رسمياً في وعد بلفور.

 

إلا أن السؤال: أين أمريكا من هذه السيطرة؟ ومتى بدأت تظهر على الساحة العربية؟

 

“بدء التوغل الأمريكي”

 

ظهرت قوة الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فخرجت بريطانيا وفرنسا منهكتين من آثار الحرب، مما جعل الساحة تفرغ أمام أمريكا حيث بدأت تظهر نواياها في المنطقة. استهدفت النفط كونه يعود بالأرباح الكبيرة عليها، فوطدت علاقتها بالدول العربية النفطية كتحالفها مع السعودية الذي ضمن لها موطئ قدم في الشرق الأوسط.

 

منذ هذه المرحلة تغيرت ملامح الشرق الأوسط حيث عملت أمريكا على إنشاء قواعد عسكرية في الكويت ولا سيما بعد الحرب العراقية الكويتية، فضلاً عن أسطولها البحري الذي يتمركز في البحرين. كل هذا التوغل كان بحجة حماية حلفائها ومصالحها، مما جعل المنطقة تحت الظل الأمريكي.

 

إلا أن بعض الدول العربية عارضت هذه الهيمنة، مما عرضها للمشاكل المزمنة، فعملت أمريكا على بث الإرهاب في هذه الدول، مما فسح لها المجال للتدخل أكثر بحجة القضاء على الإرهاب المصنوع من قِبلها.

 

فتدخلت في كل من العراق وسوريا، إلا أن هذا التدخل صُدم بالواقع، فالعراقيون قاتلوا بشراسة ضد القوات الأمريكية بمساعدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث دعمت تشكيل محور المقاومة الذي أخذ على عاتقه القتال ضد الكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية، مما دفع أمريكا للتنحي واستخدام الحرب الناعمة بدلاً من الحرب العسكرية التي لم تسعفها في حربها ضد محور المقاومة.

 

محور المقاومة شكل حاجزاً أمام التدخلات الأمريكية، فرغم التضييقات التي يعاني منها محور المقاومة، إلا أنه بقي صامداً في وجه هذه الوصاية، مبيناً أن المنطقة ليست ساحة مفتوحة أمام الهيمنة، وأن هناك إرادة شعبية حرة تقف في وجه هذه الوصاية. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: متى تنتهي هذه الهيمنة؟

 

“الهيمنة الأمريكية نحو الزوال”

 

في يومنا هذا، مع وجود محور المقاومة والإرادة الشعبية التي ترفض هذا التدخل والانتهاك الواضح لسيادة الأمة العربية، يمكن القول إنه في وقتنا الراهن أصبح الوعي والثقافة بشأن هذا الموضوع أكثر قوة وثباتاً. فاليوم نحن نمتلك شباباً وشابات فهموا مطامع الغرب ولا سيما أمريكا، مما جعل محور المقاومة أكثر حضوراً وطلباً في الشارع العربي. فيمكن التخلص من هذا المرض الخبيث عبر تدعيم القوة العربية وحماية الاقتصاد والنفط العربي، الذي لطالما كان الهدف الأسمى لأمريكا ومن معها، فضلاً عن زيادة القوة الاقتصادية دون الحاجة للدول الغربية عبر مقاطعة منتجاتها، مما يجعلها ضعيفة اقتصادياً. لذا نحن نساهم في إضعافها، مما يجعلها غير قادرة على طرح فكرة السيطرة.

 

بوجود أحرار كاليمنيين وغيرهم من محور المقاومة يجعلنا نرى أن نهاية أمريكا وهيمنتها أصبحت قريبة جداً بفضل هذه السواعد الشجاعة.

 

في نهاية المطاف ، فإن لمحور المقاومة كل الفضل في كبح جماح الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية الطامعة في أرضنا، والتي توفر غطاء للكيان الصهيوني الذي لطالما سفك دماء المسلمين والعرب. إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه: أين دول المنطقة من هذه المقاومة الشريفة التي عملت على تحطيم أنياب أمريكا؟

 

و متى تنتهي الوصاية الأمريكية على الشرق الأوسط؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى