مقالات الرأي

المحور الثالث: مواقف أنصار الله في معركة غزة: انعكاس المكانة العالمية لليمن «الجزء الأول»

✍️ القسم السياسي:

 

غزة في وعي صنعاء: من الكلام إلى الاشتباك

(الملف الثالث: عندما تحتضن صعدة القدس ويصرخ البحر الأحمر من أجل فلسطين)

في اللحظة التي تخلّت فيها العديد من العواصم العربية عن قضية فلسطين في خطابها الرسمي وأقامت علاقات مع الكيان الصهيوني بشكل علني أو خفي، رفعت صنعاء – المحاصرة وتحت القصف – أعلام فلسطين من بين الركام، وجعلت شوارعها منصات للقدس ومآذنها منابر للحديث عن يافا المحتلة وما حول بيت المقدس.

موقف أنصار الله تجاه غزة لم يكن أبداً رد فعل لحظي، بل نتيجة فهم عقائدي واستراتيجي لطبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني-الأمريكي في المنطقة. وهذا يفسر لماذا كانت فلسطين حاضرة في أدبياتهم حتى قبل دخول أنصار الله إلى صنعاء، ولماذا أصبحت اليمن اليوم جزءاً حيوياً من معادلة الردع الإقليمية بقيادة غزة.

أولاً: غزة في خطابات السيد عبد الملك الحوثي
منذ الهجوم الأول على غزة، كان صوت السيد عبد الملك الحوثي من صعدة يعلو، ليس بكلمات التضامن التقليدية، بل من خلال بيانات تعلن الموقف. عندما قصفت طائرات العدو الصهيوني مخيمات غزة، أعلن السيد الحوثي: «أي اعتداء على غزة هو اعتداء على الأمة كلها» و«القتال مع الكيان الصهيوني ليس خياراً، بل قدر عقائدي».

في الهجمات اللاحقة، ارتقى كلامه إلى مستوى التهديد بالرد من اليمن، ليس كواجهة بديلة، بل كجبهة مكملة. وكان يؤكد دائماً أن الدفاع عن فلسطين واجب شرعي لا يعتمد على الجغرافيا، بل على الانتماء إلى خط الرسول محمد (ص) وآل بيته (ع).

في ذروة «معركة سيف القدس»، قال السيد عبد الملك: «ما تمتلكه اليمن من سلاح وإرادة سيكون جاهزاً متى اقتضت الواجب والشجاعة ذلك». هذا الوعد لم يكن تهديداً إعلامياً، بل إعلاناً عن موقع عملي لا يمكن تجاهل دور صنعاء فيه.

ثانياً: الوجود العسكري لليمن في «وعد صادق 3»
عندما انطلقت عمليات «وعد صادق 3» رداً على العدوان الصهيوني-الأمريكي على إيران، لم تكن غزة فقط الجبهة التي أعلنت استعدادها، بل كانت اليمن أول جبهة أطلقت النار من جنوب البحر الأحمر.

نفذت القوات اليمنية عمليات نوعية ضد السفن الأمريكية والبريطانية، وأسقطت طائرات تجسسية، واستهدفت أهدافاً في عمق الأراضي السعودية بالتزامن مع معارك غزة.

واللافت أن بعض الصواريخ أطلقت من اليمن سقطت لأول مرة قرب الأراضي المحتلة، مما خلق تلاقياً ميدانياً بين السلاح اليمني ووجهة الفلسطينيين.

بهذه الطريقة، أصبحت صنعاء جزءاً مباشراً من معادلة النار ضد العدو الصهيوني، ومن عمق جبهة المقاومة البحرية في البحر الأحمر، أصبح «باب المندب» ممراً للصواريخ، كما هو ممراً لناقلات النفط.

ثالثاً: اليمن في وعي المقاومة الفلسطينية
تنظر الجماعات الفلسطينية إلى اليمن ليس فقط كداعم معنوي، بل كعنصر استراتيجي قادر على التأثير في مجريات المعركة.

وقد أكد قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي هذا الأمر بوضوح، وأرسلوا رسائل شكر لأنصار الله على «دورهم الفعال في إفشال خطط العدو»، وثبات مواقفهم في الدفاع عن القدس والأقصى، وما وصفوه بـ «الوجود العملي لليمن في ميادين الاشتباك».

وأبعد من ذلك، يُقال إنه في بعض الاجتماعات السرية في طهران وبيروت، تم إدراج اليمن في خرائط التنسيق الميداني للتحضير لأي عدوان صهيوني أو أمريكي واسع، وهو أمر لم يكن ليتحقق بدون الثقة في استقرار واستقلال موقف اليمن.

رابعاً: صورة غزة في وعي اليمنيين
ليس مستغرباً أن ترى في شوارع صعدة وذمار وصنعاء صور شهداء فلسطين إلى جانب شهداء اليمن، وأن تقام مسيرات لغزة في المناطق المحاصرة أكثر من العواصم النفطية والمليارديرية.

في وعي اليمنيين، غزة ليست «مسألة بعيدة»، بل امتداد طبيعي للصراع الداخلي ضد العدوان السعودي-الأمريكي. كلاهما وجهان لعملة واحدة: مواجهة الظلم والاستكبار والاحتلال.

يكفي أن نذكر أن أطفال اليمن يكتبون اسم «غزة» على دفاترهم كما يكتبون «أنصار الله»، و«الإمام الحسين»، و«فاطمة الزهراء». هذا ليس وعيًا سياسياً فحسب، بل ارتباط عاطفي وروحي ووجودي بمصير فلسطين.

خامساً: بعد الحرب…
أثبتت اليمن، في العدوان الأخير، أنها شريك متساوٍ، ليست مجرد تابع، بل شريك نشط في محور المقاومة يمتلك الإرادة والسلاح والتحليل والموقف الخاص به.

غزة في وعي صنعاء لم تعد شعارات في المهرجانات، بل بوصلة في التخطيط الاستراتيجي، سبباً لبناء ترسانة من الصواريخ والطائرات المسيرة، ومسألة تُدافع عنها السلطات اليمنية دون انتظار إذن أحد.

وهكذا، دخلت غزة وصنعاء مرحلة الاشتباك المشترك: واحدة تحارب من قلب الحصار، والأخرى تهدد من جانب البحر الأحمر… وكلاهما يقول: «القدس أقرب… لأن اليمن أقرب».

سادساً: الرابط الأعمق: اليمن وفلسطين
لا يقتصر الرابط بين اليمن وفلسطين على العمليات العسكرية أو المواقف السياسية، بل يمتد إلى مشاركة أعمق في المعاناة والمقاومة والإيمان. اليمنيون، الذين عانوا تحت القصف والحصار، يرون في غزة صورة كفاحهم: شعب يصمد بأقل الإمكانيات أمام قوة عالمية.

عزز أنصار الله هذا الرابط عملياً، ليس فقط بالصواريخ والطائرات المسيرة، بل بتنظيم قوافل الإغاثة، وجمع المساعدات الشعبية، وتدريب المتطوعين اليمنيين لدعم فلسطين، ليصبح هذا التضامن على مستوى عملي.

سابعاً: صنعاء، الصوت المسموع لفلسطين في العالم العربي
بينما هجرت العديد من وسائل الإعلام العربية القضية الفلسطينية تحت السيطرة المالية أو السياسية، أصبحت وسائل الإعلام اليمنية التابعة لأنصار الله، مثل قناة المسيرة، منبراً لصوت غزة. هذه الوسائل لا تغطي أخبار المقاومة فحسب، بل تقدم تحليلات تكشف المشروع الصهيوني في سياقه التاريخي والسياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى