مقالات الرأي

المحور الخامس: توجيهات القائد الشجاع لأنصار الله أثناء العدوان الاستكباري على إيران الإسلامية «الجزء الأول»

✍️ القسم السياسي:

 

✦ السيد عبد الملك الحوثي وتوجيهات القيادة اليمنية خلال العدوان الصهيوني–الأمريكي على الجمهورية الإسلامية

خطاب من صنعاء يضبط الإيقاع… ويقلب المعادلات

عندما قرر الاستكبار العالمي شن حربه المركبة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم يكن بحاجة إلى مبررات طويلة: كما هو الحال دائماً لجأ إلى الروايات الأمنية المزيفة والأدوات الدبلوماسية المتواطئة لشن عدوان استمر اثني عشر يوماً باستخدام الأذرع العسكرية والإعلامية والاقتصادية. لكن ما لم يكن يتوقعه، هو أن بعض أقوى الرسائل المضادة انطلقت من العاصمة المحاصرة صنعاء؛ المدينة التي وقفت صريحة وثابتة إلى جانب إيران، ليس فقط شعارات، بل برؤية عقائدية واستراتيجية عبرها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في مجموعة من المواقف والخطابات. هذه الخطابات غيّرت المزاج العام للمنطقة وثبتت مكانة اليمن كعضو حي وفاعل في محور المقاومة.

تصريحات قائد أنصار الله لم تكن انعكاساً للحظة غضب أو موقف عابر، بل كانت مبنية على قراءة دقيقة لمعادلة الحرب ووعي راسخ بأن ما يجري ضد طهران ليس مجرد حملة موضعية، بل فصل من الحرب العالمية ضد قوى الحرية والكرامة.

✦ الخطاب السياسي لأنصار الله: موقف لا يعرف التردد

منذ الساعات الأولى لظهور نوايا الحرب، تقدم السيد الحوثي بإعلان موقف صريح:

«نحن واقفون تماماً إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد العدوان الأمريكي–الصهيوني، وفي محور واحد، وخندق واحد، ومعركة واحدة.»

هذه الكلمات لم تصدر عن رئيس دولة أو مسؤول شكلي، بل عن قيادة ثورية شاركت بشكل مباشر قرابة عقد من الزمن في معارك التحرير ضد العدوان والحصار. أراد ببساطة أن يقول إن اليمن، رغم كل الآلام، ليس غائباً، وخريطة المقاومة لا تُرسم فقط من طهران أو بيروت، بل من صعدة أيضاً.

في وقت ساد فيه التساهل في الدول العربية وفي ظل صمت واسع للأنظمة الرسمية، تحدثت صنعاء بلغة نادرة: بلا غموض، بلا تردد، بلا خوف. هذا الخطاب منح اليمنيين شعوراً بالكرامة، وأعطى إيران في لحظة حرجة دعماً روحياً واستراتيجياً.

✦ محور الخطاب: الوعي أولاً

ركز السيد الحوثي في خطاباته على تعزيز وعي اليمنيين والعالم العربي بعدم الوقوع في فخ الدعاية الأمريكية. وأكد أن الجمهورية الإسلامية لم تُستهدف بسبب «تهديد للعالم»، بل لأسباب منها:

– رفض الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني،
– دعم الحركات التحررية في فلسطين ولبنان واليمن،
– الوقوف في وجه مشاريع الهيمنة الأمريكية في الخليج وآسيا الوسطى.

هذا النهج ربط الشعوب بمصدر العداء الحقيقي، وحول إيران في ذهن الأمم من «دولة محاصرة» إلى «قلعة المقاومة» و«رأس الحربة» في المعركة الكبرى.

كما دعا صراحة لتعزيز الثقافة القرآنية في مواجهة الهجوم الإعلامي، مؤكداً أن المعركة لا تجري فقط على الجبهات، بل أيضاً في الميدان المعرفي والسياسي، معيداً تعريف المقاومة كنهج حضاري وليس مجرد تكتيك عسكري.

✦ باب المندب ليس بعيداً عن أصفهان

مع بدء العدوان، دخلت تصريحات السيد الحوثي مرحلة أكثر حساسية، حيث وجه تحذيراً صريحاً: اليمن ليس مراقباً، وإذا تصاعدت الهجمات على الجمهورية الإسلامية، فإن جميع الجبهات، بما فيها البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ستكون جزءاً من الرد.

«إذا تجاوزت أمريكا والعدو الصهيوني في عدوانهم، فلن نقف مكتوفي الأيدي، وسيكون باب المندب جزءاً من الرد.»

هذه العبارة، على بساطتها، هزت خطوط الإمداد للعدوان، لأن صانعي القرار الأمريكيين يعرفون جيداً ما يعنيه إغلاق نافذة الملاحة في باب المندب. هذا الخطاب لم يكن مجرد عرض لفظي، بل تحذير يُظهر أن اليمن ليس جبهة داخلية فقط، بل قادر على التحرك جغرافياً عند الحاجة.

كانت هذه الرسائل متوافقة تماماً مع مواقف حزب الله، الحشد الشعبي والمقاومة الإسلامية في غزة، مؤكدة أن الخطاب اليمني ليس جزيرة معزولة، بل جزء من تنسيق غير معلن يخلق توازناً إقليمياً مرناً في التكتيكات.

✦ البعد العقائدي… المرجعية دعم وليست تبعية

لم تظهر أي مؤشرات على تبعية اليمن لإيران في خطاب السيد الحوثي. لم يقل «نفعل ما تمليه طهران»، بل أكد مراراً أن العلاقة بين صنعاء وطهران قائمة على عقيدة مشتركة، وعدو مشترك، ومصير مشترك.

هذا التوازن الدقيق بين الولاء والاستقلال جعل الخطاب اليمني أكثر تأثيراً، إذ قدم صورة ليس لمتبوع، بل لشريك مستقل ملتزم بالمبدأ التوحيدي في مواجهة الاستكبار والهيمنة.

كما استخدم رمزية عالية لوصف هذه العلاقة، مؤكداً أن طهران «تقف مع المظلومين بسبب مشروعها الإسلامي»، لا بسبب طائفة أو محاولة للتوسع النفوذ.

✦ اليمن في خطاب المقاومة: من الهامش إلى المقدمة

ما قاله السيد عبد الملك لم يقتصر على إيران، بل أكد أن اليمن رسخ مكانته الكامل في محور المقاومة ولن يكون دوره هامشياً. استخدم عبارات دقيقة خلال الحرب:

– «نحن جزء من هذه المعركة»
– «جبهة واحدة ومصير واحد»
– «العدو يستهدف الجميع وسنرد جميعاً»

بهذا التحديد، اكتسب اليمن موقعاً في خريطة الرد، ليس فقط كأداة إعلامية أو دعم لوجستي، بل كجبهة نشطة قادرة على إشعال كامل منطقة البحر الأحمر عند تجاوز الخطوط الحمراء.

كما لم يغفل السيد الحوثي الإشادة بإيران:

«نعرف من كان معنا منذ البداية… والجمهورية الإسلامية لن تبقى وحيدة.»

✦ صوت الوعي والموقف في آن واحد

توجيهات السيد عبد الملك الحوثي في هذه الحرب ليست مواقف عابرة، بل وثائق سياسية تظهر بوضوح تحويل صنعاء إلى مركز اتخاذ قرار استراتيجي في المنطقة. لم يكن من السهل لعاصمة محاصرة ومستهدفة أن تتحدث بهذه الصراحة، تهدد، تنسق وتتقدم، بينما انسحبت العديد من العواصم نحو التطبيع والصمت.

برز صوت السيد الحوثي كممثل لمرحلة جديدة، مرحلة أصبح فيها اليمن مركز الثقل العقائدي والسياسي، وصوتاً لا يستهان به من بيروت وطهران وغزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى