مقالات الرأي

المحور السادس: اليمن، قلب جنوب غرب آسيا: القدرات الاستراتيجية للمعارك القادمة «الجزء الثانی»

✍️ القسم السياسي:

 

✦ توسيع التحليل: دور اليمن في إعادة تعريف المعادلات الإقليمية

اليمن، على الرغم من الضغوط المستمرة، من حصار اقتصادي إلى هجمات عسكرية متواصلة، لم ينجح فقط في الحفاظ على بقائه، بل ظهر كلاعب رئيسي في محور المقاومة. تنبع هذه القدرة من مزيج فريد من العوامل العسكرية والجغرافية والبشرية، مما يجعل اليمن قوة غير متوقعة وحاسمة. فيما يلي تحليل أعمق لهذه المستويات الثلاثة وكيفية تحويلها إلى أدوات لتغيير المعادلات الإقليمية:

١. توسيع القدرات العسكرية: من الدفاع إلى الهجوم
تحولت اليمن، تحت قيادة أنصار الله، من قوة دفاعية إلى قوة هجومية تمتلك القدرة على إنتاج أسلحة متقدمة محلياً. هذا التحول هو نتيجة سنوات من الاعتماد على الذات في ظل الحصار.

إلى جانب الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المستخدمة في العمليات الأخيرة، تعمل اليمن على تطوير تقنيات لم تُختبر ميدانياً بعد:

– أنظمة صاروخية متقدمة: تقارير استخباراتية غير رسمية، مصدرها مصادر إقليمية، تشير إلى وجود صواريخ كروز بمدى يزيد عن ٢٠٠٠ كيلومتر، قادرة على استهداف قواعد عسكرية في أعماق الأراضي المحتلة أو حتى منشآت نفطية في الخليج.
– تكنولوجيا بحرية محلية: زوارق بلا طيار يمني مجهزة بذكاء اصطناعي بدائي لكنها فعالة، قادرة على العمل جماعياً وتنفيذ عمليات معقدة ضد أساطيل العدو.
– وحدات خاصة: قوات نخبة يمنية مدربة على العمليات غير المتماثلة، قادرة على التسلل إلى منشآت بحرية أو برية حساسة، كما ظهر في الهجمات السابقة على منشآت أرامكو في السعودية.

تمنح هذه القدرات، التي لم تُكشف بالكامل بعد، اليمن القدرة على الدفاع عن نفسها فحسب، بل والتحول إلى قوة هجومية قادرة على تغيير ميزان القوى في المنطقة.

٢. جغرافيا اليمن: قلعة طبيعية للمقاومة
تعمل جغرافيا اليمن المتنوعة بشكل استراتيجي كسلاح. هذا البلد، الواقع عند تقاطع أهم طرق التجارة العالمية، يمكن أن يكون عقدة ردع:

– السيطرة على الممرات البحرية: مضيق باب المندب، الذي تمر عبره ملايين البراميل من النفط والبضائع يومياً، تحت السيطرة المباشرة لليمن. أي قرار سيادي يمكن أن يغلق المضيق بالكامل، مما يترتب عليه تأثيرات اقتصادية هائلة على الاقتصاد العالمي، لا سيما على الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين.
– جزر استراتيجية: جزر مثل سقطرى وميون يمكن تحويلها إلى قواعد عسكرية تستخدم ليس فقط للدفاع، بل لتنفيذ عمليات هجومية ضد أساطيل العدو.
– جبال منيعة ضد الاختراق: سلاسل جبال صعدة ومأرب، مع الكهوف الطبيعية، توفر إمكانية تخزين الأسلحة وتنفيذ عمليات سرية، حتى أمام الهجمات الجوية المتقدمة.

تجعل هذه المزايا اليمن قلعة طبيعية يمكن أن تعمل كقاعدة رئيسية للمقاومة في أي مواجهة إقليمية.

٣. القوة البشرية: روح المقاومة
شعب اليمن، الذي صُقل في نار الحرب والحصار، هو العمود الفقري لقوة البلاد. هذه القوة البشرية ليست فريدة من حيث العدد فحسب، بل من حيث الجودة:

– مقاتلون عقائديون: أنصار الله أنشأت شبكة من المقاتلين المدربين، القادرين على العمل ليس فقط داخل اليمن، بل عند الضرورة في جبهات خارجية مثل فلسطين أو لبنان.
– تعبئة شعبية مستدامة: نظام التعبئة الشعبية اليمني، المتجذر في الهياكل القبلية والدينية، يتيح إعادة إنتاج سريع للقوات حتى في أصعب الظروف.
– نخبة فكرية: علماء، كتاب وإعلاميون يمنيون يلعبون دوراً أساسياً في الحفاظ على روح المقاومة ونشر رسالتها على المستوى الإقليمي. هذه النخبة، من خلال الخطب والإنتاج الإعلامي، تعزز التماسك الداخلي وتجذب الدعم الإقليمي.

هذه القوة البشرية، الموجهة بالإيمان والإرادة الصلبة، تمنح اليمن القدرة على البقاء قوة مستقرة حتى في ظل الضغوط الهائلة.

✦ خارطة الطريق المستقبلية: اليمن كمحور للتحول الإقليمي

لتحويل هذه القدرات الكامنة إلى قوة فعلية، يجب على اليمن اتباع الاستراتيجيات التالية:

١. التنسيق الإقليمي دون تبعية: يجب أن تعمل اليمن كلاعب مستقل في محور المقاومة، لكن مع تنسيق وثيق مع الجبهات الأخرى، مثل إيران ولبنان وفلسطين، لتضاعف فعالية إجراءاتها.
٢. تفعيل الجغرافيا كأداة ضغط: تحويل السواحل والجزر إلى قواعد ردع، مع تعزيز التواجد العسكري في مضيق باب المندب، لوضع العدو في موقف دفاعي.
٣. تعزيز التعبئة البشرية: توسيع التدريب العسكري والعقائدي للأجيال الشابة، وإنشاء شبكات دعم لوجستي لضمان استدامة جبهات المقاومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى