القسم السياسي

التصعيد الإيراني — الصهيوني: نحو مواجهة إقليمية؟

✍️حوراء المصري

 

ما قصة الحرب المرتقبة بين إيران والكيان الصهيوني؟

يترقّب الشرق الأوسط حربًا كبرى ستخاض بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني الغاشم، ولا سيما بعد أن أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وصلت لطريق مسدود.

أما اليوم، فالحرب خرجت من دائرة البرود والدبلوماسية؛ فالتصعيد وصل إلى مرحلة خطيرة، ولا سيما بعد حرب غزة، فرُصدت تصريحات وخطابات فضلًا عن تحرّكات عسكرية مشكوك في أمرها، والتي أظهرت أن المرحلة المقبلة أكثر هشاشة وإمكانية في التوسع لتصبح حربًا شاملة تطال الشرق الأوسط بأكمله.

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستتم هذه الحرب؟ هل تقتصر على الرشقات والهجمات الصاروخية والجوية أم ستتوسع لتطال ميادين عديدة كالبنية التحتية المعلوماتية لطهران؟

السياق والذريعة المحتملة

بعد انتهاء الحرب السابقة التي عُرفت بـ«حرب الإثني عشر يومًا»، أصبح واضحًا أن الحرب في المنطقة لم تعد تُدار بواسطة القوة العسكرية الصاروخية فحسب، بل أصبحت تضم جميع الميادين التي تؤثر على الداخل وتزعزع الأمن القومي الإيراني. التأثير النفسي أصبح أكثر فاعلية من الصواريخ، فهو يضرب الشعب ويقلب الساحة الداخلية رأسًا على عقب.

من المتوقع أن يسبق أي مواجهة عسكرية جديدة كم هائل من التحريض والشحن الطائفي والقومي ، فضلًا عن المظاهرات والتسريبات والإشاعات التي تخلق بيئة متوترة يصعب السيطرة عليها، مما يضعف القوة الداخلية أمام المؤامرات الخارجية.

كذلك من المرجح أن يقوم الكيان الصهيوني، بمساعدةٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، ببث صراعات داخلية تفكك اللحمة الوطنية للجمهورية الإسلامية؛ فالحرب ستبدأ من شاشات الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي، فهي السلاح الذي يستخدمه العدو ضد طهران ودول المنطقة ككل، وقد تم التأكيد على هذا الأمر عبر خطابات نتنياهو الأخيرة حيث ظهر يتفاخر بسيطرته على هذه المواقع.

الهدف واضح: خلق ذريعة مقنعة للعدوان، وذلك لا يتحقق إلا بزعزعة الأمن الداخلي للجمهورية. عند ذكر هذا النوع من الهجمات، يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم: ما هي الأدوات المستخدمة في هذه الحرب والتي تساهم في تصعيد الأوضاع والتوترات؟

أدوات التصعيد المتوقعة

من المهم معرفة أن هذه الحرب لن تشبه الحروب السابقة؛ فستكون أكثر فتكًا وقوة. قد نرى مواجهات لم تطرأ على الساحة العربية من قبل، فإيران اليوم عازمة على كسر هذا العدو الذي يحاول دائمًا تضييق الخناق على طهران.

لذلك لن تخلو هذه الحرب من هجمات جوية تستهدف البنى التحتية الحساسة والتي تهدف لتأجيج الاستياء الشعبي، فضلًا عن الاغتيالات التي لطالما كانت جزءًا أساسيًا من مخططات العدو وأدواته.

سنشهد نشاطًا كبيرًا للحملات الإعلامية المضللة، ونشر الأكاذيب وتشكيل سرديات عبر قنوات محلية تهدف لتقسيم الرأي العام والداخل بما يعود بالمنفعة على العدو. كل هذه الأدوات والوسائل التي من المتوقع أن يستخدمها العدو ضد طهران تُطبخ في مخطط تكتيكي بقيادة الولايات المتحدة، مما يحول هذه المواجهة إلى صراع عسكري ونفسي يعمل على تحطيم الداخل الإيراني وإرباك القيادات، وبالتالي تسهيل عملية الاستهداف.

الإدارة الأمريكية: داعمٌ مباشر لهذه الحرب

لن تغب الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه المواجهة؛ فكما فعلت سابقًا لعبت دور اللاعب المباشر الذي يقود الأمور بما يفيد مصالحها. في هذه المواجهة المرتقبة ستكون الإدارة الأميركية عنصرًا أساسيًا في تقديم الدعم اللوجستي والسياسي والاستخباراتي لحلفائها في المنطقة، فضلًا عن العدو الذي يعيش تحت الغطاء الأمريكي منذ نشأته في الشرق الأوسط.

لن يقف الأمر عند تقديم الدعم فحسب، بل قد يتحول إلى عملٍ تنفيذي كالاستفادة من قواعدها في المنطقة لردع طهران وتوفير مساعدة قوية للهجمات ضدها. اعتبار أمريكا لبعض الدول جزءًا من أمنها القومي يضاعف من التوترات الإقليمية ويفتح الباب أمام تدخلات مباشرة، وهذه الديناميكية قد تغيّر أولويات الإدارة الأمريكية بين التركيز على جهة إقليمية ومواجهة إيران بشكل مباشر أو بالوكالة.

آثار استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة

مسار الحرب سيتغير في حال تم استهداف أي قاعدة عسكرية تابعة للجيش الأمريكي، لا سيما قاعدة العديد التي تُعد من أكبر القواعد الأمريكية وأكثرها أهمية في المنطقة. هذا الاستهداف يعد تصعيدًا كبيرًا ذا تبعات إقليمية فورية تطال خطوط الإمداد والعمليات الأمريكية. إعلان الإدارة الأميركية أن بعض المواقع مرتبطة بأمنها القومي يجعل أي ضربة ضدها حجة لرد أمريكي أو لتعديل المواقف الأمريكية عسكريًا ودبلوماسيًا.

دوافع العدو من هذه الحرب

هذه المواجهة هي تكملة لمخطط أكبر يهدف إلى عزل المقاومة عن إيران وكسر خطوط الإمداد والعمق اللوجستي لمحور المقاومة في المنطقة. لا يقتصر الأمر على حصار المقاومة وعزلها، بل يشمل خلق ضغط داخلي يهدف إلى إضعاف السلطة وفرض شروط سياسية جديدة. فكرة عزل إيران دبلوماسيًا واقتصاديًا عبر إظهار هشاشة الداخل وتدعيم روايات الضغط الدولي جزء من هذه الاستراتيجية.

هذه الحرب قد تمس دول الجوار مثل العراق، لذا لفهم الوضع الإقليمي لا بد من التطرق إلى ما يواجهه جيران إيران في هذه المواجهة المحتملة.

العراق ودول الجوار: ساحة مفتوحة

العراق قد يتحوّل إلى ساحة مواجهة أو ممر لعمليات لوجستية وردود فعل قد تطال الداخل العراقي، لوجود فصائل وقواعد أجنبية تجعل الساحة هناك حساسة جدًا. كذلك دول الجوار كتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي وأفغانستان وباكستان قد تلعب أدوارًا متباينة: من تهدئة الأوضاع إلى السماح بعمليات استخباراتية أو استضافة مجموعات معارضة.

أي حرب قد تضرم في المنطقة ستؤدي إلى مشاكل اقتصادية وإنسانية كبيرة تتحملها المنطقة برمتها:  نزوح داخلي وهجرة خارجية، وتداعيات إقليمية كتفكك وإعادة تشكيل تحالفات جديدة.

حلفاء طهران ودورهم في المواجهة

لن تكون إيران وحيدة؛ فمحورها الموزع على دول مثل لبنان واليمن والعراق يشكّل مظلة دعم إقليميًا سواء عبر الإمداد أو عمليات ردّ يسمح بها. هذه الجبهات تزيد كلفة أي اعتداء، لكنها قد تتعرّض لردود انتقامية تتمثل في ضربات صاروخية أو طائرات مسيّرة أو استهداف قادة بارزين.

روسيا: شراكة استراتيجية متوازنة

الشراكة بين طهران وموسكو تعزز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي، لكن غياب بند دفاعي واضح في هذه الشراكة يجعل روسيا تميل للتوازن بين دعم إيران والحفاظ على مصالحها مع دول أخرى. روسيا قد توفر عتادًا ودعمًا دبلوماسيًا في المحافل الدولية، لكنها قد تتجنب الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة ما لم تُهدد مصالحها الحيوية. موقع روسيا في رئاسة دورة مجلس الأمن يُعطيها أدوات دبلوماسية مفيدة لإيران في بعض الأحيان.

الصين قد تلعب دورًا دبلوماسيًا متوازنًا لتهدئة الأوضاع وحماية مصالحها الاقتصادية، أما كوريا الشمالية فدورها سيكون محددًا ورمزيًا أو تقنيًا في أحسن الأحوال.

السيناريوهات المحتملة

تواجه المنطقة عدة سيناريوهات محتملة للحرب المرتقبة:

• أولًا: تصعيد محدود يبقى تحت السيطرة دون الانزلاق إلى حرب شاملة، مع وجود جهود دولية لاحتواء التصعيد.

• ثانيًا: حرب إقليمية موسعة قد تنتقل فيها المواجهات إلى ساحات متعددة متشابكة، ما يزيد من تعقيد الصراع.

• ثالثًا: هدنة مؤقتة بضغط دبلوماسي دولي، تسبقها مفاوضات وشروط تفاوضية.

• رابعًا (الأخطر): حرب طويلة الأمد تستهدف أمن المنطقة بأسرها، كحرب بالوكالة تستنزف أطرافًا عديدة.

مقترحات للحفاظ على السلم

• تكثيف الجهود اللازمة لمواجهة أي خطاب يحرض الداخل ويمنح شرعية للتدخلات العسكرية الخارجية.

• تعزيز قنوات الاتصال الطارئة بين القوى الدولية والإقليمية لتقليل فرص التصعيد العرضي.

• حماية البنى التحتية الحيوية عبر خطط طوارئ مدروسة للحد من انهيار الخدمات العامة.

• مواجهة الحملات المعلوماتية المضللة وكشف محاولات استغلال الأقليات والشقاق الطائفي.

• دور الوسطاء في تقريب وجهات النظر وتخفيف الاشتباكات المباشرة.

في الختام: الحرب المرتقبة حجة لمشاريع توسعية

على طهران توظيف الذكاء والحنكة الدبلوماسية اللتين تملكهما لقلب الطاولة على الإدارة الأمريكية والعدو، من خلال توظيف المعادلة لصالحها واتباع سياسة دفاع مدروسة لصد أي محاولة لنسج صراع داخلي يستتبع ضربة خارجية. بهذه الحنكة ستفشل أي محاولة لإضعاف ساحتها الداخلية، مما يضمن أمنًا قوميًّا وسلماً نسبيًا للمنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى