طوفان الأقصى: استقبال لحربٍ كانت حتمية
على خلاف الآراء التي تعتبر عملية «طوفان الأقصى» خطأً في الحسابات، تُظهر الأدلة أنّ الحرب بين الكيان الصهيوني ومحور المقاومة كانت حتمية حتى بدون هذه العملية. وفي الواقع، كانت «طوفان الأقصى» خطوةً استباقية لتغيير معادلات الميدان.

نقلاً عن الموقع الإخباري «صداى سما»؛ مع حلول الذكرى الثانية لعملية طوفان الأقصى، عادت التقييمات حول أهدافها ونتائجها إلى صدارة اهتمامات المحللين السياسيين والعسكريين. والسؤال الجوهري هو ما إذا كانت هذه العملية قد خدمت في النهاية القضية الفلسطينية ومحور المقاومة، خاصة وأنه بعد عامين من الحرب استُشهد أكثر من 70 ألف فلسطيني وجُرح أكثر من 200 ألف، ودُمّر أكثر من 90٪ من قطاع غزة، بينما احتلت قوات الاحتلال أجزاء واسعة منه.
في هذه الفترة، تعرّض حزب الله اللبناني، الذي دخل المعركة دعماً لحماس، لأعنف هجمات العدو، وكان ذروتها في سبتمبر 2024 مع استشهاد السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله. ويرى بعض المنتقدين أن سقوط حكومة بشار الأسد في ديسمبر 2024 كان من التداعيات غير المباشرة لعملية طوفان الأقصى. ومع ذلك، يمكن مناقشة الادعاء القائل إن العملية كانت خطأً في الحسابات من زاويتين أساسيتين.
أولاً، جاءت طوفان الأقصى كردّ فعل على مسار التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، وخاصة السعودية. حماس، التي كانت تواجه حصاراً خانقاً وضغطاً عسكرياً واقتصادياً شديداً، قررت القيام بعمل استباقي لتجنّب الموت السياسي البطيء ولإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العالمي. ورغم إدراكها حجم الرد الصهيوني، خاضت المعركة بشجاعة، واستطاعت أن تغيّر معادلات المنطقة وتعيد فلسطين إلى مركز الاهتمام الدولي.
هذا التحرك أدى إلى موجة عالمية من التضامن، حيث شهدت شوارع العديد من الدول من أمريكا الشمالية إلى شرق آسيا مظاهرات واسعة دعماً للشعب الفلسطيني. كما اعترفت بعض الدول الأوروبية، التي كانت تُعتبر حليفة تقليدية للكيان الصهيوني، ولأول مرة بدولة فلسطين المستقلة، ما يعكس نجاح العملية سياسياً في كسر عزلة القضية الفلسطينية.
ثانياً، لم تكن طوفان الأقصى عملية رمزية أو انتحارية، بل كانت خطوة استباقية أمام مخطط أمني وعسكري إسرائيلي واسع. إذ كشفت تقارير عبرية أن إسرائيل كانت تخطط منذ شهور لتصفية قادة حماس في غزة وقادة حزب الله في لبنان في عملية منسقة.
وبحسب وثائقي بثته القناة 12 الإسرائيلية، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية دخلت الأراضي اللبنانية قبل شهر واحد على الأقل من اندلاع طوفان الأقصى، وكانت تخطط لهجوم واسع في سبتمبر 2023. وبالتالي، حتى لو لم تبدأ حماس العملية، كان الكيان الصهيوني على وشك شن حرب شاملة ضد محور المقاومة.
في الواقع، منعت طوفان الأقصى وقوع محور المقاومة في فخ المفاجأة، ومكّنته من المبادرة في ساحة القتال. فبدلاً من تلقي الضربة الأولى، أصبح هو من يحدد قواعد الاشتباك ويقلب الموازين الأمنية والعسكرية.
ولا ينبغي نسيان أن الصراع بين محور المقاومة والكيان الصهيوني بدأ منذ سنوات طويلة، وأن طوفان الأقصى كانت الشرارة التي حوّلت الحرب الخفية إلى مواجهة شاملة وعلنية. ورغم الخسائر الكبيرة، تمكنت المقاومة من إلحاق أضرار بشرية ومادية غير مسبوقة بالكيان.
لو لم تقع عملية طوفان الأقصى، لكان محور المقاومة قد تلقى الضربات في حالة من الغفلة التامة، وكانت الخسائر ستكون أعظم. وبعد مرور عامين على اندلاع الحرب، لا يزال محور المقاومة صامداً، والمعركة مستمرة ضد الاحتلال الصهيوني.
الأهم من ذلك أن هذه المواجهة أنهت حالة الهدوء الاستراتيجي لدى الكيان الصهيوني، وأدخلته في أزمة متعددة الأبعاد – عسكرية وأمنية وسياسية ونفسية. وهكذا تبقى طوفان الأقصى نقطة تحول تاريخية في مسار المنطقة، غيرت قواعد اللعبة إلى الأبد.