مقالات الرأي

العلاج بالموسيقى — أبعد من الألحان

لم تعد الموسيقى اليوم مجرد فن وترفيه؛ فهذه اللغة العالمية قادرة على شفاء الجسد والعقل، ولها دور فعّال في صحتنا وسلامتنا.

✍️  عباس (مهراد) شهسوارزاده
طالب دكتوراه في علوم الاتصال

 

العلاج بالموسيقى هو فرع تخصصي من علوم الصحة يستخدم الإيقاعات والألحان الهادفة لتحسين الحالة الجسدية والنفسية للأفراد. وعلى عكس الاستماع العادي للموسيقى، فهو عملية سريرية تُنفَّذ من قبل معالجين مدرَّبين. وتشمل نتائجه تقليل القلق، والسيطرة على الآلام المزمنة، وتحسين جودة النوم، وتقوية الذاكرة، وحتى زيادة القدرات الحركية لدى المرضى. هذه الخصائص جعلت من الموسيقى أداة علمية وعلاجية إلى جانب الطب التقليدي.

استخدام الموسيقى في العلاج له تاريخ يمتد لآلاف السنين. ففي إيران القديمة، كانت الألحان تُستخدم للراحة وحتى لعلاج الأمراض. وكان الإغريق القدماء يرون في الموسيقى وسيلة لاستعادة توازن الروح والجسد. وفي العصور الوسطى، كانت الموسيقى تُعزف للمرضى في المستشفيات والأديرة. ومع ذلك، فقد بدأ العلاج بالموسيقى بشكل علمي وأكاديمي بعد الحرب العالمية الثانية، حين ساعدت الموسيقى في إعادة التأهيل النفسي والجسدي للجنود المصابين، ومنذ ذلك الحين انتشرت بسرعة في مختلف أنحاء العالم.

اليوم، أصبح العلاج بالموسيقى يحظى بمكانة جادة في أنظمة الرعاية الصحية العالمية. فقد أظهرت الأبحاث أن الموسيقى يمكن أن تنظّم ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وتقلل من هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، وتزيد من إفراز هرمونات السعادة مثل الدوبامين والسيروتونين. وتُستخدم الموسيقى العلاجية في المستشفيات الكبرى حول العالم لعلاج مرضى الزهايمر، والتوحّد، والجلطات الدماغية، وحتى لمساعدة النساء الحوامل في تخفيف آلام الولادة. وفي إيران أيضاً، حظي هذا المجال مؤخراً باهتمام الجامعات والمراكز الطبية، وبدأت قدراته العلاجية تتضح أكثر فأكثر.

الموسيقى اليوم ليست مجرد فن، بل لغة عالمية تشفي الجسد والروح في آنٍ واحد دون حاجة إلى الكلمات. وقد أثبتت التجارب السريرية أن الموسيقى لا تُعيد الهدوء النفسي للمريض فحسب، بل تُعزز الأمل وتحسّن جودة حياته. فالاستماع إلى الموسيقى أو عزفها يمكن أن يزيد من دافعية المريض للاستمرار في العلاج ويقوّي إحساسه بالانتماء والاتصال الاجتماعي، خصوصاً لدى أولئك الذين يعانون من العزلة أو الاكتئاب. كما أن الموسيقى قادرة على خلق أجواء أكثر هدوءاً وإنسانية حتى في أقسام العناية المركزة في المستشفيات.

لهذا السبب، يُطلق العديد من الخبراء اليوم على الموسيقى اسم «الدواء الصامت»؛ دواء لا يُكتب في الوصفات الطبية الورقية، بل يُوجَد في الألحان التي تمس القلب والروح مباشرة. وربما يكمن سرّ تأثير الموسيقى الدائم في قدرتها على إعادة الأمل والطاقة وإحساس الحياة، في الأماكن التي قد يعجز فيها الطب وحده عن ذلك.

ملاحظة ختامية:
من الواضح أن العلاج بالموسيقى لم يعد تجربة ثانوية أو هامشية في الطب، بل أصبح اتجاهاً علمياً فعّالاً يحتل مكانة مهمة في أنظمة الصحة الحديثة. إن الجمع بين المعرفة الطبية وفن الموسيقى يُظهر أن الشفاء لا يقتصر على الأدوية والجراحة، بل يمكن للصوت والنغمة أن يكون لهما دور حاسم في استعادة الصحة. وفي عالم مليء بالضجيج، قد تكون الموسيقى هي الهدوء الذي يُمثّل أنجع وصفة علاجية للإنسان المعاصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى