
القسم السياسي:
اليمن: الدعم الاستراتيجي في مواجهة الهيمنة
في اليمن، تابع سليماني التطورات عن كثب ونسق الدعم اللوجستي والفني مع أنصار الله لإضعاف المحور الأمريكي في شبه الجزيرة ومنع السيطرة على مضيق باب المندب. وتشير تقارير غير مؤكدة إلى أنه في اجتماعات سرية مع قادة أنصار الله، تم نقل تقنيات دفاعية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار.
عزز هذا الدعم القدرات الدفاعية لليمن ضد التحالف السعودي، ومكّن أنصار الله من تنفيذ عمليات هجومية ضد أهداف استراتيجية. كان سليماني يرى اليمن جزءاً من جبهة المقاومة الموحدة، مؤكداً أهميته الاستراتيجية في قطع شرايين الهيمنة. وبفضل تحليله الدقيق للجغرافيا وموقع باب المندب، ساعد أنصار الله على تطوير استراتيجيات دفاعية وهجومية قلبت حسابات التحالف السعودي.
في هذه الساحات، جمع سليماني بين التحليل الاستخباراتي، الفهم العميق للجغرافيا والبنية المحلية، ودمج القوة العسكرية بالنفوذ الروحي لبناء جبهة موحدة. وحضوره في الخطوط الأمامية – في صحاري العراق، جبال سوريا، أو من خلال التنسيق مع اليمن – لم يوجه العمليات فقط، بل شجع المقاتلين على الاستمرار في القتال بتواضع وتعاطف. تظهر الصور والفيديوهات له مع القوات، بزي عسكري بسيط وبدون مراسم، أسلوب قيادته المبني على الشجاعة والتواضع والاتصال المباشر مع المقاتلين.
لبنان وفلسطين: من الدعم السري إلى العلني
في لبنان، كان سليماني حلقة الوصل بين قيادة حزب الله والحرس الثوري، ولكنه كان أكثر من ذلك، صديقاً حميماً للشهداء ورفيقاً دائماً للجنوب. شارك في التحرير عام 2000، وحرب تموز 2006، والعمليات الاستباقية بعد 2010. خلال حرب 33 يوماً، لم يوفر الأسلحة والمعلومات فحسب، بل عزز معنويات المقاتلين من خلال الاجتماعات الليلية. وتشير روايات قادة حزب الله إلى أنه تواجد مراراً في مناطق جنوب لبنان الخطرة وكان له علاقة أخوية عميقة مع السيد حسن نصرالله. كان حضوره بالقرب من مواقع العدو رسالة صلابة والتزام بالمقاومة.
في فلسطين، دعم سليماني حماس والجهاد الإسلامي بالتمويل والتسليح والتدريب والتوجيه الروحي. وترجع تطوير صواريخ «فجر» في غزة إلى مشاركته المباشرة، كما أظهرت عملية «سيف القدس» (2021) تأثيره المستمر على قدرات المقاومة الفلسطينية. كان يرى المقاومة الفلسطينية رأس الحربة في مواجهة العدو الصهيوني، مؤكداً على وحدة الجبهات في مراسلاته مع قادة المقاومة. شمل دعمه نقل التكنولوجيا الصاروخية والتكتيكات العملياتية، مما رفع القدرة الهجومية لغزة إلى مستويات غير مسبوقة.
أفغانستان: من الأطراف إلى المركز
في أفغانستان، نسق سليماني العمليات ضد طالبان بدقة عالية في معرفة الأرض. وأقام علاقات أمنية مع قادة الهزارة والشيعة، بمن فيهم أحمد شاه مسعود في التسعينيات، محدثاً توازناً منع السيطرة الكاملة للتكفيريين.
من خلال إنشاء شبكات استخباراتية ولوجستية، ساعد الجماعات المقاومة المحلية على الصمود أمام التهديدات التكفيرية، وكان هذا جزءاً من استراتيجيته الأوسع للحفاظ على العمق الاستراتيجي لمحور المقاومة.
جنرال مزق خطط الاستعمار
لم يعترف سليماني بالحدود الاصطناعية لسايكس-بيكو. كان يرى الأرض من إيران إلى المتوسط وحدة استراتيجية، ليس تدخل توسعي، بل دفاع استباقي عن إيران والقدس والمقاومة والهوية. بدمج العقلانية الاستراتيجية والتصوف العملي، لم يقود العمليات فقط، بل أسس شبكة مقاومة لم تنهار باستشهاده في 3 يناير 2020، بل توسعت.
جنازته المليونية في إيران والعراق، واحتفالات الذكرى في لبنان وسوريا واليمن، أظهرت تأثيره العميق. واستُلهمت الهجمات الصاروخية على القواعد الأمريكية وعمليات حزب الله بعد استشهاده منه. كشفت رسائله للقائد الأعلى والمقاتلين، التي نُشرت بعضها بعد استشهاده، عمق تفكيره وعقيدته. بأسلوب حياته البسيط، وصلاته الليلية، وعلاقاته الوثيقة بأسر الشهداء، أصبح أسطورة غزت ليس فقط المعادلات العسكرية، بل قلوب شعوب المنطقة.
كان سليماني ضمير المقاومة المتحرك، العقل العملياتي، والحارس الأمين أمام العاصفة. من خلال فهم دقيق للجغرافيا، وتنسيق الفصائل المختلفة، والتخطيط الاستراتيجي-النفسي، لم يكسر فقط حصار العدو، بل أسس مقاومة تلهم الأجيال القادمة.
الإبداع العملياتي في ساحات متعددة الطبقات: البوكمال، القصير، حلب، وأمريلي
لم يكن الحاج قاسم سليماني مجرد قائد عسكري يوجه العمليات عن بعد، بل كان مهندساً ومصمماً ميدانياً للحرب، حاضر في قلب المناطق عالية الخطورة والمعقدة، يقود الميدان بنفسه ويؤسس مدرسة في الفكر العملياتي ترتكز على الإبداع الميداني والحضور المباشر.
البوكمال: كسر الحصار في الحدود الشرقية
في معركة البوكمال، آخر معقل كبير لداعش على الحدود السورية-العراقية، لعب سليماني دور التنسيق الاستراتيجي والعملياتي متعدد الطبقات والإقليمي. لم تكن المنطقة جيباً جغرافياً معزولاً فحسب، بل نقطة التقاء مصالح دولية؛ بينما كانت القوات الأمريكية متمركزة شرقاً، كان الجيش السوري وحلفاؤه يتقدمون من الغرب لاستعادتها.
ظهر الإبداع العملياتي لسليماني في تنسيق الهجمات من عدة محاور، ودمج الفصائل المتحالفة المختلفة – من الجيش السوري إلى حزب الله، الحشد الشعبي، النجباء والفاطميون. ورغم الاختلافات الهيكلية والثقافية، جمعهم تحت قيادة واحدة، محولاً البوكمال إلى «جبهة موحدة ضد التكفيريين