مقالات الرأي

الجزء الثالث: الدبلوماسية في الميدان – مبادرة سليماني في هندسة الجبهات (الجزء الثالث)

✍️ القسم السياسي:

 

المقارنة مع الجهاز الدبلوماسي الرسمي

بينما تعمل وزارة الخارجية كجهاز رسمي لمتابعة مصالح إيران الخارجية، إلا أن هذا الجهاز يواجه أحيانًا تحديات في تحقيق نتائج ملموسة بسبب القيود البيروقراطية والسياسية. ومع ذلك، استطاع الشهيد سليماني، من خلال شبكاته الواسعة وتفاعله المباشر مع قادة وقوى المنطقة، تنفيذ السياسات الإيرانية بشكل عملي وفعّال. بوجوده على الأرض وتجاوز العقبات المعتادة للدبلوماسية التقليدية، حقق نتائج خدمت المصالح الوطنية لإيران وأهداف الأمة الإسلامية.

على سبيل المثال، دوره في إقناع روسيا بالدخول في الحرب السورية ضد داعش لم يساعد فقط في إنقاذ سوريا من التهديدات الخارجية، بل منع أيضًا انتشار حالة انعدام الأمن إلى دول أخرى في المنطقة. كما أن أنشطته في فنزويلا ودعمه للمقاومة في العراق وغزة تعكس رؤية واسعة تتجاوز حدود إيران.

رمز الكفاءة والقبول الشعبي

الاستقبال الواسع للشهيد سليماني، سواء في إيران أو المنطقة، يشهد على تأثيره العميق على الرأي العام. أظهر هذا الاستقبال أنه على الرغم من ادعاءات البعض بانفصال الناس عن قيم الثورة، لا يزال طريق الشهداء ومبادئ الثورة الإسلامية حيًا بين الناس. بصفته رمزًا للكفاءة والتقدم الحقيقي، قدم نموذجًا عمليًا في مواجهة النظرات السلبية والنقدية التي تركز باستمرار على النواقص.

جمع الشهيد سليماني بين الاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية، ولعب دورًا أكثر فعالية من الجهاز الدبلوماسي الرسمي في تحقيق أهداف إيران. من خلال توحيد القوى الإقليمية، وتقوية محور المقاومة، والصمود أمام التحديات الكبرى، فتح طريقًا جديدًا في الدبلوماسية الثورية. إرثه سيبقى ليس فقط في ميادين القتال، بل أيضًا في مجال الدبلوماسية كقدوة للأجيال القادمة، ويظهر أن الكفاءة الحقيقية تكمن في العمل والالتزام الثابت بالمبادئ.

العلاقات السرية والعلنية مع قادة المجموعات والأحزاب المختلفة

كانت إحدى أبرز سمات دبلوماسية الميدان للشهيد سليماني قدرته على الحفاظ على علاقات سرية وعلنية مع قادة المجموعات والأحزاب المختلفة، مما لعب دورًا لا مثيل له في تعزيز محور المقاومة. هذه العلاقات لم تقتصر على الشكل الرسمي والعلني، بل تمت أيضًا في السياقات غير الرسمية وخلف الكواليس وأحيانًا بشكل مخفي، متقدمة بحكمة سياسية وذكاء كبير.

كان سليماني يدرك أن محور المقاومة يتميز بتنوع عرقي وديني وسياسي، وأن لكل مجموعة وجهات نظر ومصالح وحساسيات خاصة بها. لذلك، بدلاً من محاولة توحيد هذه الجماعات، تبنى نهجًا قائمًا على قبول التنوع واحترام الاختلافات. من خلال إنشاء قنوات اتصال سرية، أتاح الحوار المباشر مع قادة المجموعات، حيث يمكن مناقشة القضايا الحساسة والخلافات المخفية بصراحة. شكلت هذه العلاقات السرية أساسًا مناسبًا لحل النزاعات وبناء الثقة المتبادلة وتشكيل توافق استراتيجي.

إلى جانب هذه العلاقات السرية، حافظ سليماني على علاقات علنية مع الشخصيات والقادة السياسيين والعسكريين، وكان لها دور مهم في تعزيز محور المقاومة ونقل الرسائل إلى الرأي العام وصناع القرار الإقليميين. هذا الحضور العلني كان له تأثير نفسي وسياسي مهم، يعزز مكانة محور المقاومة في الساحة الإقليمية ويظهر أنه كيان منسق وهادف وليس مجرد قوة مشتتة.

في كثير من الحالات، أتاح هذا التوازن بين العلاقات السرية والعلنية لسليماني إبرام حوارات واتفاقيات منعت تصاعد التوترات في ظل الأزمات الإقليمية. كما وفرت هذه الشبكة الواسعة من الاتصالات فرصًا لتنسيق العمليات الميدانية، وتبادل المعلومات الاستراتيجية، وخلق الوحدة في مواجهة العدو المشترك.

أحد السمات الأساسية لهذه العلاقات هو الحفاظ على الاستقلال والاحترام المتبادل بين الجماعات، بحيث يشعر كل منها بحرية العمل والمشاركة الفاعلة ضمن أهداف محور المقاومة الكبرى. جعلت هذه الخاصية من سليماني وسيطًا موثوقًا وقائدًا يمكن الاعتماد عليه، وحوّل تعدد الأصوات في محور المقاومة إلى تماسك عملي.

القوة الناعمة في ميدان صعب

“القوة الناعمة في ميدان صعب” كانت إحدى السمات المميزة لدبلوماسية الميدان عند الشهيد سليماني، حيث عرضت مزيجًا فريدًا من القوة العسكرية والنفوذ السياسي في ظل الظروف الإقليمية المعقدة. في حين كانت ميادين القتال مليئة بالعنف والتوتر والمواجهة الصلبة، استخدم سليماني مهارته في الحوار والتفاعل والتدبير، فوظف القوة الناعمة كأداة رئيسية لإدارة الأزمات وفتح آفاق جديدة في الدبلوماسية.

كانت هذه القوة الناعمة مبنية على فهم عميق للثقافات والحساسيات والواقع الاجتماعي والسياسي في المنطقة. كان سليماني يعلم أن القوة العسكرية جزء فقط من المعادلة، ولتحقيق الأهداف طويلة المدى يجب استخدام لغة التفاهم والتفاوض لتقليل الخلافات وسوء الفهم وتمهيد الطريق للتعاون الفعّال. في محادثاته مع قادة الجماعات وحتى مع أعدائه، استخدم أسلوبًا لطيفًا وحازمًا في الوقت ذاته، مما جعل الرسائل تصل بوضوح وفعالية.

لم تقتصر القوة الناعمة لدى سليماني على الكلمات، بل كان سلوكه ومظهره في الميدان يحمل رسائل من الثقة والاحترام والود. هذا النهج الإنساني، في ظروف يسودها الحرب والعداء، ساعد على إنشاء جسور اتصال كانت أحيانًا أهم من المعارك نفسها.

بهذه الطريقة، قدم صورة مختلفة عن القائد العسكري؛ صورة تجمع بين السلطة والانفتاح على الحوار، وتسعى لحل المشكلات عبر التفاهم بدلاً من الضغط فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى