مقالات الرأي

الجزء الرابع: سليماني والمرجعية – رابط خاص مع النجف وقم وطهران (الجزء الأول)

✍️ القسم السياسي:

 

علاقات الحاج قاسم سليماني مع المرجعية الشيعية

لم تكن علاقة قاسم سليماني بالمرجعية الشيعية مجرد علاقة احتفالية أو احترامية، بل كانت تحمل في جوهرها رابطًا عضويًا، اعتقاديًا واستراتيجيًا أثر على مختلف أبعاد حياته الفكرية والسياسية والميدانية. منذ البداية، نشأ سليماني ليس كقائد عسكري فحسب، بل كابن لمذهب أهل البيت عليهم السلام، وهو مذهب كانت المرجعية الدينية في قم والنجف، وإلى حد ما في طهران، تشكل العمود الفقري الفكري والروحي له.

من منظور سليماني، لم تكن المرجعية الشيعية مجرد مؤسسة فقهية، بل قوة أخلاقية واستراتيجية قادرة على إنقاذ أمة من السقوط وقيادة الأمة في طريق المقاومة ضد الظلم. لذلك، لم تقتصر علاقته بالمراجع على اللقاءات الرسمية أو التقارير السياسية، بل كانت قائمة على إيمان قلبي وثقة متبادلة. في قم، كانت علاقته الوثيقة مع آية الله مصباح اليزدي وآية الله جوادي آملي موثقة بالكامل. فقد حضر مرارًا جلسات خاصة مع هذين العالمين الكبيرين، وتابع آرائهما ليس فقط بالاحترام، بل بالالتزام العملي. واعتبره آية الله مصباح “ابن مذهب الولاية” ورأى فيه مثالاً بارزًا للعبد الصالح في ميدان السياسة والجهاد.

أما الرابط التاريخي الأساسي لسليماني مع المرجعية فيعود إلى النجف. فقد تعرّف على أجواء المرجعية هناك خلال الحرب العراقية الإيرانية، وعزز علاقته بالحوزة العلمية بعد سقوط صدام. هناك العديد من الروايات حول لقاءاته الخاصة مع آية الله السيستاني في النجف. وما يميز هذه العلاقة ليس مجرد اللقاءات، بل تفاهم داخلي حول المسؤولية التاريخية للشيعة تجاه تطورات المنطقة.

على الرغم من حذره المعتاد، أظهر آية الله السيستاني في اللحظات الحساسة – بما في ذلك إصدار فتوى الجهاد الكفائي ضد داعش – مدى ثقته في صدق سليماني وحكمته والتزامه. ولم يتجاوز سليماني فتوى المرجع، بل اعتبرها نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من المقاومة والتعبئة الشعبية في العراق.

لطهران أيضًا مكانتها الخاصة. فالقائد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي الخامنئي، ليس مجرد مرجع ديني، بل وليّ فقيه وقائد الأمة. وعلاقة سليماني به لم تكن مجرد علاقة مريد ومراد، بل كانت طاعة محبة وفهم عميق لمفهوم ولاية الفقيه. وقد أكّد سليماني مرارًا في اللقاءات الخاصة وحتى في رسائله: “شرفي أن أكون جنديًا في خدمة الولاية”. وكانت هذه الطاعة قائمة على الفهم المعرفي والإيماني وليس على التسلسل الإداري العسكري، مع ما يعنيه ذلك من تفضيل مصالح الأمة الإسلامية على التحليلات العسكرية أو الإقليمية.

وكانت علاقة سليماني بالمرجعية تشمل أيضًا الدفاع عنها ضد التهديدات الخارجية والفِتن الداخلية. خلال احتلال داعش لأجزاء من العراق، كان من أهداف هذه الجماعة الخفية إضعاف المرجعية الشيعية وتقويض القاعدة الدينية للحوزات العلمية. وقد أدرك سليماني ذلك، فدافع عن الأماكن المقدسة في كربلاء والنجف، ونظّم الحشد الشعبي بما يخدم حماية المرجعية وشرعيتها. وحضوره في ساحات القتال إلى جانب رجال الدين الذين لبسوا لباس الجهاد، يعكس رابطًا عميقًا بين الفقه والدم، وبين الحوزة والساحة الميدانية.

ومن الجدير بالذكر أن سليماني لم يرَ نفسه يومًا بديلاً عن المرجعية في أي من نشاطاته الميدانية. فقد كان يعتبرها دائمًا أعلى منه، واستشار دائمًا آية الله السيستاني وعلماء قم في خطواته السياسية والاستراتيجية. على سبيل المثال، في القضايا الحساسة في سوريا ولبنان، شارك تحليلاته مع السيستاني وعلماء قم، مما يوضح أنه كان قائدًا محترفًا ومفكرًا سياسيًا ذا هوية حوزوية.

قبل توجهه إلى سوريا وخلال وجوده في العراق، حافظ سليماني على اتصال خاص ومنتظم مع المرجع الأعلى آية الله السيستاني، وعقد لقاءات خاصة ومحتوية. كما كانت له علاقات ودية وقريبة مع مراجع النجف الآخرين، وخصوصًا مع المرحوم آية الله السيد محمد سعيد الحكيم، قائم على احترام وصداقة متبادلة.

كما تواصل سليماني باحترام وهدف مع المرجع الكبيرين الآخرين، آية الله إسحاق الفياض وآية الله بشير النجفي، ما يعكس فهمه العميق لمكانة المرجعية في تطورات العراق.

ومن المهم أن نذكر أن الحاج قاسم لم يتجاهل أبدًا رأي المرجع الأعلى في العراق، واتباعه لآراء وفتاوى آية الله السيستاني كان دائمًا جزءًا من مهمته الشرعية والولائية المبلغة له من قبل القائد الأعلى، آية الله علي الخامنئي. وقد أوصى الخامنئي صراحةً أن يعمل الحاج قاسم وفق فتوى السيستاني في جميع الأمور العراقية ويدعمها، وكان هذا الالتزام أحد أهم عوامل نجاحه في إدارة المشهد المعقد للعراق وتعزيز الشرعية للمقاومة هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى