تقنية البلوك تشين في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

عباس (مهرداد) شهسوارزاده
طالب دكتوراه في علوم الاتصال المتخصصة
يشهد عالم اليوم نمواً سريعاً لتقنيات المعلومات والاتصالات (ICT)، الأمر الذي أفرز تحدياتٍ مثل أمن البيانات، احتكار المنصات الرقمية وثقة المستخدمين في الوسطاء. في هذا الإطار، تُقدّم تقنية البلوك تشين (سلسلة الكتل) إجابةً مختلفةً لتلك التحديات باعتبارها إحدى الابتكارات الجوهرية في القرن الحادي والعشرين. فقد عُرفت هذه التقنية في البداية عبر العملات الرقمية، لكنها امتدت اليوم إلى مجالات مثل الشبكات الاجتماعية، إدارة البيانات، الأمن السيبراني وإنترنت الأشياء.
الطبيعة والخصائص
في أبسط تعريف، تُعدّ البلوك تشين دفترَ سجلاتٍ موزّعاً (Distributed Ledger) يخزن البيانات أو المعاملات في سلسلةٍ من الكتل. كلُّ كتلة تحتوي على معلومات المعاملة، طابع زمني، وهاش مشفّر للكتلة السابقة. تجعل هذه البنية المتسلسلة من المستحيل تعديل أي بيانات من دون أن يظهر ذلك.
تقوم البلوك تشين على ثلاثة مبادئ أساسية:
-
التشفير (Cryptography): للحفاظ على أمان وسرية البيانات؛
-
الإجماع (Consensus): للتحقق من المعاملات دون حاجةٍ إلى وسيط أو جهة مركزية؛
-
التوزيع (Distribution): لتخزين البيانات عبر مئات أو آلاف العقد المستقلة حول العالم.
أربعةُ خصائصٍ أساسيةٍ للبلوك تشين هي:
-
اللامركزية: تُحفظ البيانات بشكل موزّع فلا تبقى القوة أو المعلومات محصورة لدى كيان مركزي، ما يكسر احتكار المعلومات.
-
الشفافية: يمكن لأعضاء الشبكة كافة الاطلاع على المعاملات والتحقق من صحتها، فيحلّ الاعتماد الجماعي محل الاعتماد المؤسسي.
-
الثبات وعدم القابلية للتغيير (Immutability): بعد تسجيل البيانات على الشبكة لا يمكن حذفها أو تعديلها، مما يجعل البلوك تشين أرشيفاً موثوقاً للمعلومات الرسمية.
-
الأمن: يجمع بين التشفير وآليات الإجماع الجماعي، ما يجعل الشبكة شبه منيعة أمام الاختراق أو الهجمات السيبرانية.
وبناءً عليه، ليست البلوك تشين مجرد تقنية فحسب، بل نموذجٌ جديد لتنظيم المعلومات والثقة اجتماعياً يمكنه إعادة تعريف البنى الاتصالية.
التطبيقات في التكنولوجيا والاتصالات
في مجال تكنولوجيا المعلومات تلعب البلوك تشين دوراً محورياً في جيلٍ جديدٍ من الأنظمة:
-
الأمن السيبراني: منع تزييف البيانات والهجمات الرقمية.
-
إنترنت الأشياء (IoT): خلق تبادلاتٍ آمنة بين مليارات الأجهزة المتصلة.
-
الحوسبة السحابية اللامركزية: استبدال الخوادم المركزية بشبكة موزعة من المستخدمين.
وفي حقل الاتصالات الاجتماعية تتحدى البلوك تشين مفاهيم الإعلام التقليدية والسلطة. تعمل الشبكات الاجتماعية اللامركزية على إعادة ملكية البيانات والمحتوى من المنصات الاحتكارية إلى المستخدمين، ما يفضي إلى فضاءٍ اتصاليٍّ أكثر حريةً وشفافيةً واعتماداً على الثقة بين المستخدمين.
كلمة أخيرة
ينبغي النظر إلى البلوك تشين باعتباره أكثر من تقنية؛ إنها ثورة في مفهوم الاتصال والثقة وملكية البيانات. في عالمٍ حيث المعلومات تعني السلطة، تعيد البلوك تشين توزيعَ هذه السلطة. عبر إزالة الوسطاء، تُعيد التقنية الإنسانَ إلى مركز الشبكة، حيث يصبح كل فرد منتجاً وحافظاً للبيانات. يعتمد مستقبل الاتصالات، خصوصاً في المجتمعات الرقمية، على مدى فهم هذه التقنية وقبولها. البلدان والمؤسسات التي تتبنّى هذا التحول مبكراً ستلعب دوراً قيادياً في تشكيل «النظام الاتصالي الجديد» حيث يحلّ الثقة الرقمية محل السيطرة المركزية.
المراجع:
-
Nakamoto, S. (2008). Bitcoin: A Peer-to-Peer Electronic Cash System.
-
Tapscott, D., & Tapscott, A. (2016). Blockchain Revolution. Penguin.
-
European Commission (2023). EU Blockchain Strategy.
-
World Bank (2022). Blockchain and Emerging Technologies Report.