القسم الخامس: الصداقات، الأعداء، الخيانات – من بقي معه ومن خانه؟ «الجزء الأول»

القسم السياسي:
من الصداقة مع أبو مهدي المهندس إلى مواجهة الانتهازيين السياسيين
الشخصيات التي وقفت خلف الحاج قاسم وأولئك الذين تظاهروا بمرافقته
استعراض للخيانة الخفية والعلنية التي أدت إلى استشهاده
قصص من المنزل، العائلة، والدائرة المقربة
من الصداقة الصادقة والمعنوية لفريق الشهيد المجاهد الحاج قاسم سليماني إلى التعاون الدؤوب مع الشهيد الكبير الحاج أبو مهدي المهندس، تشكلت قصة ليست فقط جزءًا من تاريخ المقاومة المعاصر، بل نموذجًا للوفاء والأخوة في سبيل الله. كان الحاج قاسم، القائد الفخور لقوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، رجلاً بنيت علاقاته مع الآخرين على الإخلاص والصدق والالتزام بالمبادئ الإلهية والقيم الإسلامية النقية. لم يرضَ يومًا بالعلاقات السطحية أو المصلحة، بل كانت روابطه قائمة على الإيمان المشترك والهدف الواحد في الدفاع عن الأمم المظلومة وحماية محور المقاومة.
واحدة من أعمق وأدوم هذه الروابط كانت الأخوة الروحية والجهادية بينه وبين الشهيد الحاج أبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي. هؤلاء المجاهدون العظام، الذين قضوا حياتهم في جبهات متعددة ضد الاحتلال والإرهاب والتدخل الأجنبي، كانوا أكثر من رفقاء سلاح، كانوا أصدقاء مخلصين ورفاق ميدان وفاء. وقفا جنبًا إلى جنب في أصعب المعارك، من تحرير جرف الصخر والبيجي إلى كسر حصار أمريلي وأخيرًا في عمليات تحرير الموصل الكبرى. ولم تقتصر مصاحبتهم على ساحة المعركة؛ بل كانت واضحة في الاجتماعات السرية، وزيارات عائلات الشهداء، وحتى في لحظات الراحة القصيرة على الخطوط الأمامية، حيث تجلت روح الأخوة والإيمان والإخلاص.
الحاج أبو مهدي المهندس، المعروف باسم جمال جعفر آل إبراهيم، كان مثل الحاج قاسم في الصفوف الأمامية لمواجهة صدام، والاحتلال الأمريكي، ثم الإرهاب التكفيري، قبل ظهور داعش بسنوات. كان كلاهما يدركان عميقًا أهمية الروابط الاستراتيجية بين إيران والعراق للحفاظ على استقلال وأمن المنطقة، وكانا يعتبران هذا الرابط ليس مجرد ضرورة سياسية بل واجب ديني وتاريخي.
هذه الصداقة والأخوة التي غذتها الدماء والجهاد بلغت ذروتها في فجر 3 يناير 2020، عندما نفذت الطائرات الأمريكية هجومًا إرهابيًا في مطار بغداد، أسفر عن استشهاد هذين القائدين في جبهة المقاومة. استشهادهما المتزامن كان بمثابة ختم أبدي على كتاب أخوتهما، وأرسل رسالة واضحة إلى العالم: عهد المقاومة عهد لا تستطيع حتى الموت كسره.
إلى جانب الصداقات الصادقة والمخلصة التي كانت تربط الحاج قاسم بالرفقاء الحقيقيين للمقاومة، واجه مرات عديدة وجوهًا مزدوجة وانتهازيين سياسيين. الحاج قاسم، الذي أمضى حياته بعيدًا عن ألعاب السلطة الملوثة والمصلحة الشخصية، كان يرى السياسة من منظور مجاهد مسؤول، لا من منظور سياسي متاجر. بحدسه العميق وحكمته الفائقة، كان يميز بسرعة طبيعة هؤلاء الأشخاص ويقف فورًا أمام استغلالهم لمنصبه ونفوذه.
بالنسبة للحاج قاسم، كانت قيم المقاومة ودم الشهداء خطوطًا حمراء مقدسة، لا تسمح أبدًا بتحويلها إلى أدوات للمصالح الشخصية أو الحزبية. بعض السياسيين في المنطقة، الذين ادعوا دعم المقاومة لكنهم تواطأوا مع الأعداء، واجهوا بسرعة رده الحاسم. كان يحذر بوضوح: “أي خطوة تبعدكم عن مسار المقاومة خيانة واضحة لدماء الشهداء.”
هذا الصلابة والصدق جعل العديد من الانتهازيين لا يجرؤون حتى على الاقتراب منه. من حاول استغلال اسم الحاج قاسم ومكانته، إما أُبعد من دائرته قبل تحقيق أهدافه أو انكشف أمامه مباشرة بتحذير صريح. لقد حمى المقاومة ليس فقط في ميادين القتال ضد الأعداء الظاهرين، بل في الميادين الحساسة والخفية لمحاربة الاختراق والانحراف، كحارس يقظ على حرمة المقاومة.