القسم السياسي
خشيةَ أن يصبح الضدان شيئاً واحداً (الجزء الأول من اثنين)

مجاهد الصریمی، صنعاء
خارجاً للتوِ من رحلة تأملٍ شاقة، حاولت فيها جمع ما تفرق من قصاصات احتوت بين طياتها بعض حكايات الأحرار، الموصلين البدء بالخاتمة، والمجسدين الإيمان بالعمل؛ إن تحركوا فلإحقاق الحق، الذي يسيرون تحت رايته، ويبذلون مهجهم لأجل تعميمه، وتعزيز قواعد وجوده، وإبراز شكله ومحتواه في الميادين كلها.
قولهم فصل، وفعلهم عدل ومساواة. صادقون مع الرحمن؛ لا من خلال كثرة المداومة على كثير النوافل والقربات والنذور والطاعات التي تقدمهم كنساك ورهبان انقطعوا للذكر والشكر والصلوات والصوم والاعتكاف في دور العبادة؛ بل من خلال ارتباطهم، بل ذوبانهم في الناس. فهم حمالو همومهم، الناذرون أنفسهم لخدمتهم؛ يوقرون الكبار، ويعطفون على الصغار؛ يجالسون الفقراء، وينزلون بساحة المساكين والضعفاء؛ يتعاملون مع كل شيء بحكمة. فما استفزهم خطاب جاهل، ولا ضاقت نفوسهم ذرعاً بمنطق مخالف؛ لم يكن معيارهم في البحث عن النفوس القابلة لأنْ تصير لبنة من لبنات صف الحق المطلوب إبرازه كما يحب الله لجنده، المقاتلين في سبيله أنْ يكونوا (كالبنيان المرصوص) ضماً وإسبالاً، أو وجود (حيعلات ثلاث أو اثنتين في الإذان) وإنما سلامة الفطرة، وسمو الخلق، والصدق مع الله والناس، ومواجهة الظلم والفساد والاستكبار.
كان أكثر ما ينفرون منه هو؛ العمل على مخالطة كبراء المجتمع وعلية القوم، وخطب ودهم على حساب الفقراء والمستضعفين الذين لا يحسبون في العير ولا في النفير في قراهم ومدنهم، ولدى قبلهم وأسرهم، لذلك لم يكن ثمة فرق بين ابن الشيخ، وابن عامل النظافة عندهم، فهما سواء ما دام وقد اجتمعا في إطار مسيرة، وكانا ضمن حركة خلعت كل الأسماء والألقاب، وكفرت بكل أشكال التمايز الطبقي والعرقي والمناطقي والفئوي، وبات الكل (أنصار الله) فقط وفقط.
إن قصدهم ملهوف أغاثوه، وإن استنجد بهم ضعيف هبوا لنجدته، وهيهات هيهات أنْ يتجاهلوا صرخة مظلوم، أو دمعة محروم، أو سؤال ذي حاجة! ولم يعرف عنهم يوماً أنْ أقروا ظالماً على ظلمه، أو حصر الوجود بالمنتمين لهم، واعتبار بقية المجتمع مجتمع جاهلي ضال.
كانوا بعيدين كل البعد عن قسوة القلوب، وغلضة الطباع، وسرعة الغضب، ونزعة البطش والكبر والانتهاك للكرامة البشرية؛ رجال حلم ومعرفة وتواضع وعفو ومحبة وسماحة ورحمة وإحسان، البسمة مفتاح كل قلب لديهم، والكلمة الطيبة رأس مالهم في كل ساحات العمل مع المجتمع، وميادين الاحتكاك بالناس.
لذلك كانوا القوة قبل القوة، والفتح الأكبر قبل حصوله.
هؤلاء هم الروح لكل ما تم تحقيقه في زمن المسيرة والثورة، من انطلاق الصرخة حتى انطلاق الصاروخ، وعليهم بعد الله الرهان الأكبر..




