القسم السادس: الحقائق الخفيّة والوثائق وراء الكواليس (الجزء الرابع)

القسم السياسي:
٣. الدور السياسي والدبلوماسي
بالإضافة إلى دوره العسكري، كان اللواء الشهيد قاسم سليماني نشطًا أيضًا في الدبلوماسية خلف الكواليس في سوريا.
عمل كحلقة وصل رئيسية لإيران مع حكومة الأسد، ولعب دورًا في المفاوضات الحساسة مع المسؤولين السوريين وغيرهم من الفاعلين الإقليميين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الزيارة السرّية التي قام بها بشار الأسد إلى طهران عام ٢٠١٩، والتي جرت دون علم وزير الخارجية الإيراني آنذاك محمد جواد ظريف. هذا الإجراء، الذي أدى إلى استقالة ظريف المؤقتة، أظهر النفوذ الذي لا نظير له للشهيد سليماني في السياسة الخارجية الإيرانية وعلاقاتها مع سوريا.
كما لعب اللواء سليماني دورًا في إدارة العلاقات مع جماعات سياسية وعسكرية متعددة في سوريا. تعاون مع الجماعات الكردية في شمال سوريا، ولا سيما في الحرب ضد تنظيم داعش، وفي الوقت نفسه حافظ على علاقات وثيقة مع الجيش السوري والقوات المدعومة من روسيا. كانت قدرته على إدارة العلاقات مع جماعات متنوعة، ذات مصالح متضاربة أحيانًا، من أبرز نقاط قوته.
٤. المشاهد غير المعلنة والأنشطة السرّية
لم تُنشر الكثير من أنشطة الشهيد سليماني في سوريا بشكل كامل في وسائل الإعلام. فعلى سبيل المثال، هناك تقارير تتحدث عن وجوده في عمليات ليلية ضد مواقع داعش في شرق سوريا، لم يتم تأكيدها رسميًا قط. كما ادّعت بعض المصادر أن اللواء سليماني لعب دورًا في نقل أسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، إلى حزب الله عبر الأراضي السورية. هذه العمليات، التي أُبقيت سرّية بسبب حساسيات سياسية وعسكرية، كشفت عمق أنشطة قوة القدس في المنطقة.
ومن المشاهد غير المعلنة الأخرى، دور اللواء سليماني في إدارة الأزمات الداخلية داخل الجيش السوري. ففي السنوات الأولى من الحرب، واجه الجيش السوري مشاكل تنظيمية وحالات فرار للجنود. وقد ساهم اللواء سليماني، من خلال إرسال مستشارين عسكريين إيرانيين وتدريب القوات السورية، في إعادة بناء جيش الأسد وتعزيزه. هذه الإجراءات، التي جرت غالبًا في الظل، ساعدت في الحفاظ على تماسك الجيش السوري رغم الضغوط الشديدة.
٥. التحديات والانتقادات
إن وجود ودور الشهيد قاسم سليماني في سوريا، بخلاف الروايات المغرضة لبعض المصادر الغربية والعربية، كان على أساس دعوة رسمية من الحكومة السورية الشرعية وفي إطار التعاون الإقليمي المشروع. أما التقارير التي تتهمه بـ”انتهاك القوانين الدولية” أو “نقل الأسلحة بطريقة غير قانونية”، فهي جزء من العمليات النفسية للجبهة الغربية–الصهيونية لإخفاء دورها في تسليح الجماعات الإرهابية وتقسيم سوريا.
وما تسميه وسائل إعلام العدو بـ”حصار حلب”، لم يكن سوى تحرير هذه المدينة من احتلال المسلحين التكفيريين الذين احتجزوا المدنيين لسنوات وقطعوا طرق الإمداد. التكتيكات العسكرية التي استُخدمت كانت تهدف إلى تقليل الضرر على المدنيين إلى الحد الأدنى، وممارسة أكبر ضغط على الجماعات الإرهابية. أما وجود قوات محور المقاومة في المناطق السكنية فلم يكن لإثارة التوتر، بل لحماية المدنيين من الهجمات الانتحارية والصاروخية التي كانت تشنها الجماعات المتطرفة.
إن اتهام “إشعال الفتن الطائفية” من قِبَل داعمي الحرب الأمريكية وبعض الأنظمة العربية ما هو إلا محاولة لإخفاء الحقيقة: أن سليماني، من خلال كسر الحصارات وتنظيم القوات الشعبية، استطاع أن يمنع سقوط دمشق وتقسيم سوريا. وبدون هذا الدعم، لكان تنظيم داعش وجبهة النصرة قد أشعلا النار ليس فقط في دمشق، بل في أجزاء واسعة من العراق ولبنان أيضًا.
وفي هذا الإطار، كان دور قائد القلوب، الشهيد قاسم سليماني، في سوريا مزيجًا من القيادة العسكرية الفريدة، والدبلوماسية الميدانية الخفية، والإدارة الاستراتيجية بعيدة المدى. فمن خلال التنظيم الدقيق للقوات الشعبية والمقاتلين في صفوف المقاومة، والتنسيق العملي مع الحلفاء مثل روسيا، وتعزيز بنية محور المقاومة التحتية، تمكن من تغيير معادلات الميدان لصالح جبهة المقاومة. لم تؤدِّ مشاركته إلى إنقاذ الحكومة السورية الشرعية من السقوط الحتمي فحسب، بل وجهت أيضًا ضربة قاصمة إلى تنظيم داعش وسائر الجماعات التكفيرية.
وفي الكواليس، شكّلت لقاءاته السرّية مع القادة السياسيين والميدانيين، إلى جانب حضوره المتكرر في خطوط المواجهة الأولى، صورة لرجل يتجاوز حدود القائد العسكري ليكون مهندس الأمن الإقليمي. أما الانتقادات والضجيج الإعلامي الصادر عن الوسائل الغربية وأتباعها، فلم تكن سوى اعتراف غير مباشر بتأثيره الكبير في إفشال المخططات الأمريكية وحلفائها في المنطقة — تأثير لا يزال واضحًا حتى اليوم، بعد سنوات من استشهاده، في معادلات سوريا ومحور المقاومة.




