القسم السياسي

خشيةَ أن يصبح الضدان شيئاً واحداً  (2 من 2)

✍️ مجاهد الصریمی، صنعاء

هم الروح لأنهم؛ أنزلوا الفكرة من عالمها التجريدي إلى عالم الحس والتجربة، فرآى الناس المسيرة بفضلهم حركةً فاعلةً في الواقع، ولمسوا عظمة المثال من خلال طبيعة آثاره الإيجابية التي انعكست في كل ميدان حظي بوجود بعض هؤلاء على رأس المعنيين في تحمل مسؤولية العمل فيه.
وهم القيمة التي تقف وراء كل التحولات الكبرى، والإنجازات التي اتخذت مساراً تصاعدياً في الكم والكيف، وما كان لنا أنْ نرى وطننا في مقدمة الدول المصنعة لصواريخ (فرط صوتية) لولا وجود هذه الثلة الكاملة في كل شيء، التي قاتلت بالروح قبل السلاح، وحملت الإيمان والإرادة والحكمة والتبصر الخلقي، كعوامل مؤسسة لبناء الشخصية الجهادية الراشدة المتوازنة، المنزهة عن العقد النفسية، والميل الغرائزي، والتضخم الذاتي، والخضوع للهوى والمطامع والرغبات الشخصية.
لقد انتصر هؤلاء على أنفسهم أولاً، فكان كل انتصار حققه الله لهم على أرض الواقع ثمرةً طبيعية تظهر طيب منبتهم، وسلامة قصدهم، وعظيم صبرهم، ومدى تعلقهم بالله؛ التعلق الذي يتجاوز مسألة العشق، بل حتى مسألة الحب، إلى ما هو أعلى وأقوى وأوثق وأكمل وأصدق؛ وهي: درجة النسيان للأنا، بل درجة تلاشي وانعدام الذات، وبانعدام الذات هذه؛ تتجلى ذاتاً أخرى؛ ليس فيها حظ للشيطان، ولا شيء من مظاهر المادة الجوهرية التي قام عليها الخلق للإنسان، وهي الطين، الذي متى ما تمكنت معالمه من امتلاك زمام النفس؛ قادتها نحو التسافل والانحطاط، وجعلتها مثال للتوحش والظلم والفجور ونشر الفساد في البر والبحر؛ ذاتاً كل ما فيها من روح وجسد، من مكونات معنوية، ومظاهر مادية، وكل نشاطها وحركتها وسكونها ويقضتها ومنامها، وفكرها وسلوكها وأقوالها وأفعالها؛ شاهدٌ على وجود إنساني فوق مستوى بشري، وجود (ما فوق ملئكي) وجود(الإنسان الكامل) (وجود الربانيين) (الربيون) الذي كله عبارة عن مرآة نشاهد من خلالها انعكاس لتلك النفخة، التي بعثت في الطين روحاً؛ النفخة من روح الله الرحمن سبحانه.
لذلك نراهن عليهم، بعد الله طبعاً. نراهن عليهم أحياء في ساحة المقاومة والجهاد، كما نراهن عليهم وقد ارتقوا شهداء في سبيل الله، فكانت شهادتهم حياةً أكمل لهم، وللمنتضرين لإحدا الحسنيين بعدهم، والثابتين على ما ثبتوا عليه. وهنى يتكامل الجانبان، ويلتقي النهران؛ الدم والعرق، الكلمة والفعل، الدافع والموقف، المثال والتجربة، فيتجلى أمر الله، بقيام إنصاره، الذين مهما تلبس باسمهم المتلبسون؛ فلن يقدروا على بلوغ مستوى نعل أحدهم;!! لأنهم تركوا في كل ميدان نموذج يفضح المدعين، ويرشد المخلصين والمنتمين فعلاً.
هذا البسط مجرد مدخل لامتلاك الأوليات التي بموجبها نستطيع معرفة المخلصين في انتمائهم، وكشف المدعين والحذر منهم. فلقد قامت قيامة المدعين هؤلاء قبل القيامة، إذ ضرب الله بالآثار التي تركها كل صمادي الهوى، (ملصي) الفطرة والموقف، والحركة والفاعلية سوراً فصل المؤمن من المنافق، ومهما حاولت ألسنتهم الدفع بما يشي بأنهم أبناء لمدرسة واحدة، وعلى قلب رجل واحد؛ فإن الواقع يفضحهم، فيظهر تربصهم، ويتضح ارتيابهم، وتبرز معالم انحرافهم، وآثار اغترارهم بالأماني، وإخلادهم إلى الأرض، واتباعهم للشيطان.
وأخيراً؛ لزم استيعاب كل هذه الفروق، التي ما كانت إلا نتيجة الخشية على هذه الأمة؛ ولا شيء أخشاه أكثر من هذا الشيء:
أن يصير المدعي، والمخلص، الحقيقي والمزيف؛ شيئاً واحداً!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى