التحديات والحلول لدخول السياح الأجانب إلى إيران في الظروف الراهنة

شهرام عظيمي
وفقًا لما ورد في موقع “صداي سما” الإخباري؛ إيران، بتاريخها وحضارتها العريقة، تمتلك مزايا ثقافية وطبيعية وتاريخية فريدة تجعلها واحدة من الوجهات السياحية المحتملة المهمة في العالم. من القصور الفخمة للحقبة الأخمينية إلى الهندسة المعمارية الإسلامية لمساجد أصفهان، ومن طبيعة صحراء یزد إلى الغابات الكثيفة شمال البلاد، كل زاوية من هذا الوطن تحمل في طيّاتها إمكانيّة استثنائية لجذب السياح الأجانب. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، كان نصيب إيران من السوق السياحي العالمي، بالرغم من هذه القدرات، ضئيلاً جدًا. إن دراسة هذه الحالة تُظهر أن مجموعة من التحديات السياسية والاقتصادية والبنيوية والثقافية تعيق التحويل الكامل لهذه الإمكانيات.
إحدى أهم العوائق في طريق دخول السياح الأجانب إلى إيران هي الصورة الذهنية الخاطئة التي تُشكّلها وسائل الإعلام العالمية عن البلاد. التمثيلات الإعلامية غالبًا ما تعرض إيران في إطار الأخبار السياسية والأمنية، وتُقلل من التركيز على واقعها الثقافي والإنساني. ونتيجة لذلك، يتراجع العديد من السياح المحتملين المهتمّين بالتعرّف على تاريخ إيران وثقافتها، خوفًا من المخاوف الذهنية المرتبطة بالسفر إلى هذا البلد. بعبارة أخرى، إيران لا تعاني من نقص في عوامل الجذب بقدر ما تعاني ضعفًا في تقديم صورتها الحقيقية للعالم.
عامل رادع آخر هو المشكلات المالية والمصرفية الناجمة عن العقوبات. يواجه السياح الأجانب في إيران، نظرًا لعدم توفر الوصول إلى بطاقات دولية مثل “فيزا” أو “ماستركارد”، صعوبات جدّية في دفع التكاليف. وهذه المشكلة تُعد عقبة كبرى في عصر السياحة الرقمية، حيث أن المدفوعات عبر الإنترنت جزء لا يتجزّأ من تجربة السفر. من جهة أخرى، غياب البنية التحتية المناسبة في قطاع النقل، قلة الرحلات الجوية المباشرة من البلدان المستهدفة، ضعف الإعلام متعدد اللغات في الأماكن السياحية، وغياب خدمات موحَّدة المعايير في بعض أماكن الإقامة، كلها تجعل تجربة السفر أكثر صعوبة للسائحين. وتضاف إلى ذلك التعقيدات في إجراءات الحصول على التأشيرة لبعض الدول، الأمر الذي أدى إلى أن تكون مكانة إيران في المنافسة مع دول المنطقة مثل تركيا، جورجيا أو الإمارات أقل في جذب السياح الأجانب.
رغم هذه التحديات، هناك حلول فعالة وعملية لتعزيز تواجد السياح الأجانب في إيران. الخطوة الأولى هي تحسين الصورة الدولية للبلاد عبر الدبلوماسية الثقافية والسياحية. يمكن لإيران أن تستفيد من سفاراتها، وتنظيم المهرجانات الثقافية والمعارض الفنية في الخارج، لتقديم وجهة أكثر واقعية للمجتمع الإيراني أمام العالم. كما أن الاستفادة من الإعلام الحديث، التعاون مع مؤثرين في مجال السفر، وإنتاج محتوى متعدد اللغات عبر منصات مثل يوتيوب وإنستغرام، تلعب دورًا كبيرًا في تغيير نظرة العالم إلى إيران.
في المجال الاقتصادي، يمكن إنشاء بطاقات ائتمانية مخصصة للسياح أو إطلاق منصات للدفع الدولي أو عبر العملات المشفرة لتخفيف بعض المشكلات المالية. لقد أظهرت تجربة الدول المجاورة أن تسهيل المدفوعات يُعد أحد العوامل الرئيسية لزيادة أعداد السياح. ومن جهة أخرى، تطوير نظام التأشيرة الإلكترونية وتوسيع إمكانية إصدار التأشيرة عند الوصول للمسافرين من دول مختلفة، يُعد من الإجراءات التي تسرّع وتسهّل عملية دخول السياح.
كما أن الانتباه إلى تدريب القوى البشرية أمر في غاية الأهمية. فمرشدو السياحة، موظفو الفنادق وسائقو سيارات الأجرة على اتصال مباشر مع السياح الأجانب، وسلوكهم ومعرفتهم يؤثران مباشرة على الصورة التي يحتفظ بها السائح عن إيران. لذلك، عقد دورات تدريبية لتعزيز مهارات التواصل واللغة من الضروريات لصناعة السياحة في البلاد. كذلك، رفع جودة خدمات الإقامة وإنشاء مرافق السياحة البيئية (“بومگردي”) بمعايير عالمية يوفر تجربة أكثر ثراءً وأمانًا للمسافرين الأجانب.
إلى جانب هذه الإصلاحات البنيوية، ينبغي إعطاء أولوية أيضًا لسلامة الزوار النفسية والاجتماعية. الشعور بالأمان هو العامل الأهم في اختيار وجهة سياحية. إنشاء وحدات خاصة بشرطة السياحة، تقديم معلومات شفافة عند نقاط الدخول إلى البلاد، والاستجابة السريعة لأي مشاكل قد يواجهها المسافرون، كلها يمكن أن تُعزز ثقة ورضا السياح.
في النهاية، يتطلّب تطوير السياحة في إيران نظرة شاملة ومنسقة بين مختلف الجهات. فالسياحة ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل جسر للحوار الثقافي، والتعايش السلمي بين الشعوب، وتوسيع الدبلوماسية الناعمة. إذا استطاع صانعو السياسات أن يستفيدوا بصورة صحيحة من قدرات البلاد الثقافية والتاريخية والطبيعية، وفي ذات الوقت يتعاملوا بحكمة وبرمجة مع العوائق القائمة، يمكن لإيران أن تصبح خلال العقد القادم واحدة من أهم وجهات السياحة في الشرق الأوسط والعالم. في هذا المسار، يُعد التشديد على الإعلانات الحديثة، وتطوير التقنيات الرقمية، والتفاعل الدولي، ودعم القطاع الخاص، من مرتكزات النجاح الأساسية.




