الجيل بيتا: جسرٌ بين الإنسان والذكاء الاصطناعي

عباس (مهرداد) شهسوارزاده
طالب دكتوراه في علوم الاتصال المتخصصة
مع بداية عام 2025، يدخل العالم مرحلة جديدة تتزامن مع ولادة أوائل أفراد الجيل بيتا (Generation Beta).
وبحسب صحيفة نيويورك بوست، فإن هذا الجيل، المولود بين عامي 2025 و2039، يرمز إلى بداية عصر جديد سيُعيد فيه الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة والتحديات العالمية تشكيل حياة الإنسان بشكل غير مسبوق.
يولد جيل بيتا في زمن تبلغ فيه التغيرات المناخية والتوسع الحضري والتحولات الاجتماعية ذروتها. هؤلاء الأطفال يرثون عالمًا يواجه أزمات مثل الاحتباس الحراري ونقص الموارد وتأثيرات التكنولوجيا الحديثة، ما يتطلب رؤى مبتكرة وحلولًا جديدة. وعلى الرغم من أنهم لن يعيشوا تجارب مباشرة مثل جائحة كورونا أو العزلة الاجتماعية، إلا أنّ آثار هذه الأحداث ستصل إليهم بطريقة غير مباشرة عبر الأسرة والمجتمع.
إحدى السمات البارزة لهذا الجيل هي علاقته الوثيقة بالتكنولوجيا المتقدمة، وخاصة الذكاء الاصطناعي. فبينما كان الجيل ألفا يعتمد بشدة على الأدوات الرقمية، فإن الجيل بيتا سيكون مرتبطًا بالأدوات الذكية، ولكن بشكل أكثر وعيًا وهدفًا بفضل خبرة الوالدين وتحسّن نظم التعليم. ومع ذلك، تبقى المخاطر المحتملة مثل الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا وضعف التفاعل الإنساني تحديات حقيقية أمام هذا الجيل.
في المقابل، يحمل هذا الجيل فرصًا استثنائية، إذ يمكنه الاستفادة من الأدوات التقنية لمعالجة مشكلات عالمية مثل التغير المناخي ونقص الموارد. وتميّزه هذه القدرات عن الأجيال السابقة، وربما تجعله جسرًا بين الإنسانية وعصر الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يجب ألا تتحول التصنيفات الجيلية مثل “بيتا” إلى قوالب نمطية، لأنّ العوامل الثقافية والاجتماعية والتربوية تؤثر بعمق أكبر في تشكيل الشخصية. جيل بيتا بدوره يتمتع بتنوع فردي وذكاء وتجارب فريدة ينبغي عدم تجاهلها.
في النهاية، يُمثّل الجيل بيتا رمزًا للأمل والتحدي في آنٍ واحد؛ فهو قادر على قيادة العالم نحو تطورات هائلة، لكنه يحمل مسؤوليات جسيمة أيضًا. ومن واجبنا كمجتمع معاصر أن نوفر له بيئة تساعده على النمو في عالم أفضل، تتوافر فيه الفرص وتُقلَّل فيه التحديات.
تأمل في الفروقات بين الأجيال
الجيل Z (من 1997 إلى 2012):
-
السمات: أول جيل نشأ مع الإنترنت والهواتف الذكية، يتميّز بالاستقلالية والنشاط الرقمي.
-
التحديات: العزلة الاجتماعية، ضغوط وسائل التواصل، وتأثير أزمات مثل جائحة كورونا.
الجيل ألفا (من 2013 إلى 2024):
-
السمات: وُلد في عالم رقمي بالكامل، والتعليم عبر الإنترنت والذكاء الاصطناعي جزء من حياته اليومية.
-
التحديات: الاعتماد المفرط على التكنولوجيا وضعف مهارات التواصل البشري.
الجيل بيتا (من 2025 إلى 2039):
-
السمات: سينشأ في عالم أكثر تعقيدًا تحكمه التغيرات المناخية والتحضر السريع وتطور الذكاء الاصطناعي.
-
الميزة: بفضل نضج التكنولوجيا وتجارب الوالدين، قد يتمكن من تحقيق توازن أفضل بين الحياة الرقمية والواقعية.
التعامل الذكي مع الجيل بيتا
أولًا – بناء برامج تعليمية منهجية وذكية:
على عكس الجيل Z الذي تعامل مع التكنولوجيا بشكل تجريبي، يولد جيل بيتا في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا جزءًا أصيلًا من الحياة. لذا يجب على الأسر والمعلمين توجيههم لاستخدامها بطريقة إبداعية لحل المشكلات، لا لمجرد الترفيه. ويجب أن تُعزّز المناهج مهارات التفكير النقدي والذكاء العاطفي إلى جانب المهارات التقنية.
ثانيًا – تعزيز الروابط الإنسانية:
عانت الأجيال السابقة من تراجع التواصل البشري، ومن الضروري أن يُنشأ للجيل بيتا بيئة متوازنة تجمع بين التواصل الواقعي والاستخدام الرقمي الواعي.
ثالثًا – الاستعداد للتحديات العالمية:
يجب أن يتعرف الجيل بيتا على قضايا مثل التغير المناخي والهجرة والمسؤولية الاجتماعية، ليصبح فاعلًا في معالجة الأزمات العالمية وليس مجرد مستخدم للتكنولوجيا.
رابعًا – التوازن بين الحرية والرقابة:
مقارنة بالجيل Z الذي واجه حرية مفرطة في الفضاء الرقمي، يحتاج جيل بيتا إلى رقابة ذكية تحميه من المخاطر النفسية والمعلومات المضللة عبر الإنترنت.
كلمة أخيرة
الجيل بيتا، المولود بين عامي 2025 و2039، سينشأ في عالم مختلف تمامًا عن عوالم الأجيال السابقة. سيرث كوكبًا تحكمه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتغيرات البيئية، وسيتعين عليه مواجهة تحديات كبرى إلى جانب فرص غير مسبوقة. وبينما يُعرف الجيل Z بأنه جيل التواصل الاجتماعي والجيل ألفا بأنه الجيل الرقمي الخالص، سيكون الجيل بيتا الجيل الذي يوازن بذكاء بين العالمين الواقعي والرقمي.
غير أن تحقيق هذا التوازن يتطلب توجيهًا حكيمًا من الأسرة وصانعي السياسات والمربين. فالتعليم الهادف، وتعزيز الروابط الإنسانية، وإعداد هذا الجيل لمواجهة التحديات العالمية، كلها خطوات أساسية. ومن خلال الاستفادة من تجارب الأجيال السابقة، يمكننا بناء جيل يسعى إلى تنمية عالم أكثر عدلًا واستدامة.
إن الجيل بيتا يمثل فرصة جديدة لإعادة التفكير في أساليب التربية والمجتمع. وإذا أولينا اهتمامًا جادًا لتكوينه اليوم، فسنشهد غدًا جيلًا قادرًا على إحداث تحوّل إيجابي ومستدام في العالم.




