لماذا بيع مقاتلات F-35 للسعودية لن يغيّر المعادلات الإقليمية

نقلاً عن الموقع الإخباري «صداى سما» يوم الثلاثاء، أعلن دونالد ترامب خلال زيارة محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، إلى البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة مستعدة لبيع مقاتلات F-35 Lightning II المتقدمة إلى المملكة العربية السعودية.
وقد انتشرت هذه الأخبار فورًا في وسائل الإعلام الإقليمية والدولية بوصفها “تحولًا كبيرًا” و**”مغيرًا لتوازن القوى”**. ومع ذلك، فإن مراجعة دقيقة لسجل السياسة الخارجية الأمريكية، وتصريحات المسؤولين في واشنطن وتل أبيب، وتقارير مراكز الأبحاث المرموقة، وتجارب سابقة مشابهة تشير إلى أن هذه الصفقة، على عكس الضجة الأولية، من غير المرجح أن تؤثر بشكل حاسم على التوازن العسكري في منطقة غرب آسيا.
ثبات سياسة الولايات المتحدة
الولايات المتحدة ملتزمة منذ عام 1968، وخاصة بعد اعتماد قانون الكونغرس لعام 2008، بعدم السماح لأي مبيعات عسكرية للدول العربية أن تقوض التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. هذا الالتزام ليس مجرد شعار دبلوماسي، بل واجب قانوني، حيث يجب أن يتم تقييم أي صفقة عسكرية بدقة من قبل وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأمريكية قبل الموافقة عليها.
وفي هذا السياق، صرح بنيامين نتنياهو في 20 نوفمبر 2025 بعد محادثة مع ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي الجديد:
“أكدت الولايات المتحدة مرة أخرى على التزامها الصارم بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. هذا الالتزام كان بالأمس، وهو اليوم، وسيظل غدًا.”
كما أكدت رئاسة وزراء إسرائيل أن واشنطن قدمت الضمانات اللازمة، وأوضح نتنياهو أنه لا يمكنه تقديم مزيد من التفاصيل حول كيفية تنفيذ هذه الالتزامات.
القيود العملية
يشرح خبراء الدفاع الغربيون أن هذه الضمانات عادةً ما تُطبّق بثلاث طرق:
-
تزويد الدول العربية بنسخ محدودة من المقاتلة، دون بعض أنظمة الحرب الإلكترونية والاتصالات الرئيسية.
-
منع المشترين من الحصول على صواريخ جو-جو بعيدة المدى مثل AIM-260، والتي تقتصر على إسرائيل وعدد قليل من الحلفاء.
-
الاحتفاظ بالتحكم البرمجي وإمكانية تعطيل المقاتلات عن بُعد في حالات الطوارئ.
تمتلك إسرائيل حاليًا أكثر من 45 مقاتلة F-35I (نسخة خاصة مع تعديلات كبيرة على أنظمة الحرب الإلكترونية والبرمجيات). حتى لو تسلمت السعودية 48 مقاتلة، فإن هذه النسخ ستكون محدودة القدرات مقارنة بالإصدار الإسرائيلي، وتسليمها لن يتم قبل نهاية العقد الحالي على الأقل.
تجربة الإمارات
في أكتوبر 2020، أعلن ترامب عن بيع 50 مقاتلة F-35 للإمارات، ووُصفت الصفقة حينها بأنها “مغيرة للعبة”، لكن بعد عام فقط، أوقفت إدارة بايدن الصفقة عمليًا بسبب مخاوف من التعاون العسكري للإمارات مع الصين، ورفضها للقيود الأمنية الأمريكية، وضرورة الحفاظ على التفوق الإسرائيلي. أعلنت الإمارات في ديسمبر 2021 انسحابها من الصفقة لأسباب فنية وتشغيلية مفروضة من الولايات المتحدة.
سياسة أمريكية أحادية الجانب
تستند سياسة الولايات المتحدة التسليحية تجاه دول الخليج على مبدأين: تحقيق أرباح ضخمة لصناعة الدفاع الأمريكية، والحفاظ على السيطرة الاستراتيجية على المشترين. منذ 2010، اشترت السعودية أكثر من 130 مليار دولار من الأسلحة الأمريكية، لكن جزءًا كبيرًا لم يُسلم أو تم تقييده تشغيليًا.
صفقة F-35 تتبع نفس النمط؛ فهي مصدر دخل مباشر لشركة لوكهيد مارتن بقيمة 142 مليار دولار، وتضمن اعتماد السعودية المستقبلي على واشنطن للصيانة والتحديث والذخائر، بينما يبقى التحكم الكامل في البرمجيات الرئيسية بيد البنتاغون مع إمكانية تعليق الدعم في الظروف السياسية الحساسة.
القيود الزمنية والتشغيلية
حتى في السيناريو الأكثر تفاؤلًا، لن تحصل السعودية على مقاتلات F-35 عملية قبل عام 2030. خطوط إنتاج لوكهيد مارتن مشبعة، وتدريب الطيارين السعودي يحتاج سنوات، وأي تغيّر في تركيبة الكونغرس الأمريكي يمكن أن يوقف الصفقة أو يقيّدها. علاوة على ذلك، يحذر تقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية للبنتاغون في نوفمبر 2025 من أن التعاون العسكري المكثف للسعودية مع الصين (بما في ذلك تطوير صواريخ باليستية) يزيد من خطر الوصول غير المصرح به لتقنية F-35، ما قد يؤدي إلى فرض قيود إضافية أو إلغاء الصفقة.
الاستنتاج
رغم أن بيع F-35 للسعودية يبدو صفقة كبيرة وتاريخية، إلا أنه عمليًا يخضع لثلاث قيود أساسية: الالتزام الأمريكي بحفظ التفوق العسكري الإسرائيلي، سجل الولايات المتحدة في وقف أو تقييد مبيعات مماثلة للدول العربية، وطبيعة المصالح الأمريكية الأحادية في هذه الصفقات. التجربة الإماراتية، وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، وتقارير المراكز البحثية، كلها تشير إلى أن هذه المقاتلات، حتى عند التسليم، ستكون نسخة محدودة ومراقبة ولن تغيّر التوازن العسكري في المنطقة بشكل جوهري.
المصدر: تسنيم




