مقالات الرأي

العربة المهيبة للاقتصاد

✍️الدكتور سيد مهدي حسيني، الحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية

 

في الدراسات المتعلقة بتحولات الفكر السياسي، يحظى موقع الاقتصاد بأهمية خاصة. ويرى المفكرون أن:

«في بيتٍ نصفه مهدّم بالفقر، لا يمكن إنزال الأفكار الجديدة السامقة ولا معارف عصر غزو المجرّات.»

ومن هنا فإن:

«الناس الحذرون لا يتحركون أبداً من دون الركوب في عربة أسلافهم الفاخرة.»

وخاصة في بلد ذي تاريخ وحضارة عريقين،

«يمتلك إرثاً ثقافياً وفكرياً من أعمق وأقدم الإرثات العالمية، ويمكنه أن يفتخر بامتلاكه تقريباً جميع المعادن المعروفة.»

فمن المتوقع أن تكون عربة الاقتصاد على قدرٍ من الفخامة والعظمة اللائقة.

وتشهد المصادر التاريخية في إيران بأن:

«شبكة واسعة من التجار والكسبة في المدن الكبيرة والصغيرة كانت تمارس التجارة المحلية والإقليمية والدولية.»

وقد ذكر ناصر خسرو في رحلته:

«رأيت في أصفهان سوقاً للصيارفة فيه مئتا صيرفي… وخمسون خاناً للتجار… وكان معنا قافلة تحمل ألفاً وثلاثمئة خروار من البضائع، وأقمنا في أصفهان عشرين يوماً.»

وذلك في وقتٍ كان فيه الغرب غارقاً في ظلمات العصور الوسطى.

لكن اليوم، ومع اقتراب عام 2026، وبسبب أزمات شبه مستمرة في الغذاء والكساء والسكن، تتصاعد النقاشات حول أثر التحول الرقمي في تشكيل فكر الجيل الجديد وقدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وفي الثقافة الإسلامية، فُسِّر مفهوم الاقتصاد — المشتق من الأصل اليوناني Oikonomia — بـ تدبير المنزل، باعتباره علماً اجتماعياً يدرس نشاط الإنسان في مجال الثروة والرفاه المادي.

وعندما يخرج الاقتصاد عن الاعتدال وتلوح بوادر الركود والأزمة:

«يسعى العقلاء وأهل الرأي إلى إيجاد حلول عبر القوانين، أو الوعظ، أو تنبيه أصحاب السلطة والثروة لمسؤولياتهم الاجتماعية، أو عبر نظريات تصوّر مجتمعاً عادلاً.»

وإلا فإن العمليات السياسية ستُزيَّن بمفردات يصوغها الاحتيال الإعلامي ويجريها على ألسنة طبقة جديدة.

ومنطق هذه الصياغة يقوم على أن:

«حين يمتلئ العالم بأشخاص مهمين بلا مصداقية، وثروة مفرطة وفقر لا نهائي، ومعرفة وافرة وجهل عميق، يتجه الإنسان نحو الثروة والسلطة والمعرفة ويتبرأ من الفقر والتهميش.»

لأن اللغة والفكر ينموان معاً، و«اللغة هي مسكن الفكر».

ومن هنا تتجلى أهمية الاقتصاد، إذ إن:

«المدخل الاقتصادي عامل حاسم في تثبيت شكل الحكم.»

ولا شك أن التحول الرقمي السريع يؤثر بعمق في الحياة اليومية، ويستدعي تغيّراً في الأدوات السياسية لتحقيق النمو الاقتصادي.

وقد كانت الدول الناجحة دائماً:

«تلك التي أحسنت مواءمة سياساتها مع تغيّر الظروف.»

ويحذّر المفكرون من أن اختلال توزيع الدخل واستمرار أزمات المعيشة يولدان سخطاً شعبياً يهدد الاستقلال السياسي، خاصة مع التأثير الخطير لوسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل وعي الطبقة الجديدة.

وفي ظل الغلاء الفاحش، تعيش هذه الطبقة قلقاً نفسياً عميقاً، دون أن تجد آذاناً صاغية في الجامعة أو الحوزة.

وقد يؤدي هذا الوضع إلى التشكيك حتى في القيم الدينية والاقتصادية الإسلامية.

ويذهب بعض أنصار الاقتصاد الحر إلى ترك السوق يعمل وحده، بينما يدور بعض تجار الأفكار في حلقة مفرغة.

وبعد الحرب الأخيرة، تصاعدت موجات الغلاء، وتحوّل الفضاء الرقمي إلى جزء من نموذج الكارثة.

ولا شيء أخطر من التعامل الشعاراتي مع تقلب الأسعار، وتجاهل خطر الانقطاع الغذائي والتفكك الجيلي.

وكما تقول هانا آرنت:

«نحن نواجه جيلاً غير متيقن من أن له مستقبلاً.»

ويخلص النص إلى أن موجة التكنولوجيا الرقمية الخلابة تحتاج إلى تفكير عميق، لأن:

«المعادلات التقليدية لم تعد صالحة في عصر ثورة المعلومات.»

فنحن نصنع مستقبلنا بأفعالنا اليوم، والأمل أن يُبنى عالم الغد على العدالة والحرية والأخوّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى